2017/03/24 {محمد ( عبد الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
الحمد لله ، له الثناء ، وله الحمد بما هو أهله ، وعلى ما ينبغي لجلال وجهه ، وعظيم سلطانه ،جل وعلا ربنا ، لا إله إلا هو ، الإله الواحد ، تباركت أسماؤه ، وتوالت آلاؤه ، عم عطاؤه ، وعزت حكمته ، وجلت قدرته ، ووسعت رحمته ، له الكبرياء ، الملك المتعال ، وله المقام الرفيع ، ذو الجلال ، خلق الخلق فأبدع ما ومن خلق ، وقدر الأقوات فأكرم ما ومن رزق ، لاحق لأحد عليه سبحانه ؛ بل تكرما وتفضلا ، بل الحق ثابت قائم له وبه ؛ تضرُّعاً وتذلُّلَا ، لا نحصي ثناء عليه ، ونحن المفتقرون في كل الأحوال إليه ، الأغنياء لا من فضلنا ؛ لكن من فضله ، الأعزاء لا من حولنا ؛ بل من حوله ، فله الحمد على كل حال ، وله وحده الشكر خالصاً إلى المآل ، نسأله أن يغفر لنا ما أخطأنا من الزلل ، وأن يتقبل ما وفقنا إليه من صالح العمل ، ونصلي ونسلم على نبيه المصطفى ، ورسوله المجتبى ، محمد بن عبد الله ، وآله الأطهار ، وصحبه الأخيار ، ما دام الليل وتوالى النهارُ ، بل أكبر ، بلا زمن يعد ، ولا أوان يحد ، بل أظهر ، فوق العد ، وفوق الحد  ،كما يليق على التصديق والتحقيق ، لأنه الهداية التامة ، والرحمة العامة ، وهو البشير النذير ، والسراج المنير ، اهتدى من به اقتدى ، واستقام من بأمره قام ، وفاز من على سنته جاز ، ومن حادّه برئت منه الذمة ، وعن الصراط حاد ، وشقي بإحداثه في الأمة ، وأساء فما أجاد ، اللهم ربنا فأسعدنا سعادة أهل الإيقان ، ونجنا برحمتك من النيران ، وأدخلنا بفضلك في دار الرضوان ، فإننا يا مولانا نقر لك بالوحدانية ، ونشهد أنك لا إله إلا أنت ، وحدك ، لا شريك لك ، ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك ، أما بعد، عباد الله، أيها المؤمنون :
 
{محمد - عبد الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم}
 
محمدٌ عبدُ اللهِ ورسولُه ، صلى الله عليه وسلم ، سيد ولد آدم ، فضله الله ، فختم به النبوة ، وبلغ الرسالة ، وأقام الحجة ، وأوضح المحجة ، ورفع الأغلال ، ونجا من الضلال ، فسدد الأقوال ، وأصلح الأعمال ، وهو صلى الله عليه وسلم بين الشرائع ، وهذب الطبائع ، ورد الشاردين ، وأنهل الواردين ، وحكم صلى الله عليه وسلم بالعدل فارعوى أهل الفساد ، وأوسع بالفضل فراج أهل الكساد ، واستقامت أمور العباد ، واستقرت الأحوال بالبلاد ، فاطمأن الخائفون ، وازدجر المرجفون ، ومهد السبيل ، بإحكام الوحي وتفصيل التنزيل ، فبرسالته صلى الله عليه وسلم تمام النعمة ، وإكمال الدين ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ،  والحمد الله رب العالمين .
 أيها المسلمون :
إن الله عز وجل اصطفى النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء ، فختم به النبوة ، وبلغ الرسالة ، فلا نبي بعده ، وقد روى الإمام مسلم وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" فضلت على الأنبياء بست :أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ،وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون " .
ووصف الله جلت حكمته سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه عبده في أشرف مقام حينما أسرى به من مكة إلى المسجد الأقصى ومنه عرج به إلى السماء ، فقال تعالى في سورة الإسراء :{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) } .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لله ، وأخشاهم وأعلمهم به جل وعلا ، يغضب لله إذا غضب ، لا للدنيا ، قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه ونفعنا بعلومه آمين :  (..بَابٌ قَوْلُ النَّبِيِّ : أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ ، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ (فَغَضِبَ حَتَّى عُرِفَ) الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللهِ أَنَا( .
أيها الناس ، يا عباد الله : 
قام نبي الله صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالة ربه أكمل قيام ، وصبر على ما لاقى في سبيل ذلك من الأذى ، واحتمل من جهالة الجاهلين ما احتمل ، وعن عائشة - رضي الله - عنها  أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( هَلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : "  لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أشَدُّ مَا لَقيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيْلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْني إِلَى مَا أرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأنا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلاَّ وأنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، وَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبريلُ - عليه السلام - ، فَنَادَاني ، فَقَالَ : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَد بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بمَا شِئْتَ فِيهِمْ . فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللهَ قَدْ سَمِع قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأنا مَلَكُ الجِبال ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ، إنْ شئْتَ أطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ  . فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - : بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً " متفقٌ عَلَيْهِ .
أيها المسلمون يا عباد الله :
وهو عليه الصلاة والسلام بشرٌ خلقه الله سبحانه من أم وأب ، ولم يجعل له الخلد بل قبضه إليه جل وعلا ، وله من الأعمال ، وينتابه من الأحوال ، ما لغيره ، وما يجرى على غيره من الناس ، فهو صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام إذا جاع،ويشرب الماء إذا عطش ، ويمشي ، ويركب ، ويقوم وينام ، وهو صلى الله عليه وسلم يتزوج النساء ، ويقضي الحاجة ، ويتطهرُ فيتوضأ أو يغتسل ، ويبيع ، ويشتري ، ويرضى ويغضب ، كما أنه صلى الله عليه وسلم يلاعب الصغار ، ويمازح الكبار ، ويعطي العطية ، ويقبل الهدية ، وهو صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي - يفرح ، ويحزن ،ويصح ، ويمرض ، وتنزل به الفاقة ، ويصيب من المال والغنى ، وتدركه الوحشة لفقد الحبيب  ، ويأنس بالجليس ويفلي رأسه ، ويخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويكون في مهنة أهله ، حسنُ المعاشرة ، لطيفُ الروح ، فهو صلى الله عليه وسلم واحدٌ من بني آدم ، قال تعالى في سورة الفرقان : { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) } .وهو في ذلك كسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، قال عز من قائل في سورة الفرقان : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) }.
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يجوع أحياناً حتى إنه ليربط الحجر على بطنه ليشد ظهره من شدة الجوع ، ففي سنن الترمذي وغيره عن أبى طلحة قال : (شَكَوْنا إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجوعَ، ورفعنا ثِيَابَنا عن حَجَرٍ حَجَرٍ إلى بُطونِنا ، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حَجَرَيْنِ ).
وفي معجم الطبراني الكبير والأوسط عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ( أَتَى أًبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ رَابُّهُ، فَقَالَ: " عَنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ شَيْءٌ؟ فِإِنِّي مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقِرئُ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ سُورَةَ النِّسَاءِ، وَقَدَ رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ، فَقَالَتْ: كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ طَحَنْتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى الْأَسْوَاقِ، وَالْأَسْوَاقُ حَوَائِطُ لَهُمْ، فَأَتَيْتُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ حَطَبٍ، فَجَعَلَتْ مِنْهُ قُرْصًا، ثُمَّ قَالَ: أَعِنْدَكِ أُدْمٌ، فَقَالَتْ قَدْ كَانَ عِنْدِي نِحْيُّ فِيهِ سَمْنٌ فَلَا أَدْرِي أَبَقِي فِيهِ شَيْءٌ فَأَتَتْهُ بِهِ فَعَصَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَصْرَ اثْنَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ عَصْرِ وَاحِدٍ فَعَصَرَاهُ جَمِيعًا فَأَخْرَجَا مِثْلَ التَّمْرَةِ، فَدَهَنَتِ الْقُرْصَ، ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، تَعْرِفُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنِّي تَرَكْتُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الصُّفَّةِ يُقْرِئُهُمْ، فَادْعُهُ وَلَا تَدَعْ مَعَهُ غَيْرَهَ، انْظُرْ أَلَّا تَفْضَحَنِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «لَعَلَّ أَبَاكَ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا؟» قُلْتُ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: " انْطَلِقُوا فَانْطَلَقُوا، وُهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانُونَ رَجُلًا فَأَمْسَكَ يَدِي فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنَ الدَّارِ نَزَعْتُ يَدَهُ مِنْ يَدِي، فَجَعَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَطْلُبُنِي فِي الدَّارِ وَيَرْمِينِي بِالْحِجَارَةِ، وَيَقُولُ: فَضَحْتَنِي عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «لَا يَضُرُّكَ» فَأَمَرَهُمْ فَجَلَسُوا، ثُمَّ دَخَلَ فَأَتَيْنَاهُ بِالْقُرْصِ فَقَالَ: هَلْ مِنْ أُدْمٍ؟ " فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ كَانَ عِنْدَنَا نِحْيٌ وَقَدْ عَصَرْتُهُ أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمُّوهُ، فَإِنَّ عَصْرَ الثَّلَاثَةِ أَبْلَغُ مِنْ عَصْرِ الْاثْنَيْنِ» ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَصَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجُوا مِنْهُ مِثْلَ التَّمْرَةِ فَمَسَحُوا بِهِ الْقُرْصَ فَمَسَحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَعَا فِيهِ باِلْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي عَشْرَةً» فَدَعَوْتُ عَشْرَةً، فَأَكَلُوا مِنْهُ حَتَّى ثَمِلُوا شِبِعًا، فَمَا زَالُوا يَدْخُلُونَ عَشْرَةً عَشْرَةً حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسَنْاَ مَعَهُ فَأَكَلْنَا حَتَّى فَضَلَ" . 
عباد الله : 
 طوبى لمن أقبل على دخائل النفس فزكاها ، والويل لمن عظم نفسه فدساها ، فالنفس بذكر الله قوامها ومغناها ، والاسترسال في مرضاتها يهلك من سعى في هواها فمن كان من أهله فله الإكرام ، ومن لم يكن فله ما للئام ، فإياي وإياكم إلا من الخير ، وفقنا الله لصالح القول والعمل ، وجنبنا الخطأ والزلل ، اللهم وفقنا للعمل بكتابك ، وإحياء سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، والدعوة إلى سبيلك ، ونيل مرضاتك ، اللهم آمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه ،إنه هو الغفور الرحيم . 
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد المخلصين ،  والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين ، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه الراضين المرضيين ، ومن اتبعهم واقتفى أثرهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ،وعنا معهم اللهم آمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، إخوة الإسلام :
النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد دائماً بشريته وأنه عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه يوحى إليه ، وأخبرنا الله بذلك في عدة مواضع من القرآن الكريم ، ففي سورة الكهف جاء قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) } ، وفي سورة فصلت :{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)}، وفي هذا فقد كان كل الأنبياء من قبله والرسل عليهم الصلاة والسلام أيضاً من بني آدم عليه السلام ، قال عزوجل في سورة الأعراف : { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) } .
وقد روى البخاري والفظ له ، والإمام أحمد في المسند عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " .
 وروى الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك -واللفظ له- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " ووافقه الذهبي .
عباد الله : 
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أرسله الله تعالى رسولاً إلى الناس جميعاً ، وختم به النبوة فلا نبي بعده ، وهو ينتابه الأحوال البشرية مثل باقي الناس ، فلا يجوز الغلو فيه ولا الإطراء ، فوق ذلك ، ومن أحبه حقاً لم يغل فيه ، بل اتبعه ، وأطاعه ولم يعصه ، قال الله في سورة آل عمران :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) }.
ألا فلتصلوا ولتسلموا عليه عباد الله ، قد هداكم الله به صراطاً مستقيما ، آمراً إياكم أمراً بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته ، ففي سورة الأحزاب قال: 
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } ، اللهم صل وسلم على محمد ٍالنبي المصطفى ،وآله الأتقياء الحنفا ،وأبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي الأربعة الخلفا ، وسائر الصحب هم أهل الوفا، ومن تبع أثره واقتفى ، وبه دون سواه اكتفى ، ودعا بدعوته ، واستن بسنته يارب العالمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأيد بالحق إمامنا ولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، واجمع به على الحق والهدى كلمتنا يارب العالمين  ،اللهم وفقه وولاة أمر المسلمين إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين ، اللهم ورد من خالف إلى الجماعة يا أرحم الراحمين، واسلك ربنا بنا وبهم إلى ما يرضيك وما فيه الخير للبلاد والعباد ، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد ، اللهم فرِّجْ هم المهمومين من المسلمين ، ومن الناس أجمعين ، ونفِّسْ كرب المكروبين ،واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتك مرضانا  ومرضى المسلمين، اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعيننا من الخيانة وألستنا من الكذب ، اللهم اسلك بنا سبيل الصادقين الأبرار وجنبنا طريق الكَذَبة الأشرار ياعزيز ياغفار . . ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، اللهم اجعلنا من الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم واحفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين ، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع