2017/07/14 {العلم النافع بالعمل الصالح، والعمل الصالح بالقدوة الحسنة}
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)    }  الأحزاب .أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المسلمون :
 
{العلم النافع بالعمل الصالح ، والعمل الصالح بالقدوة الحسنة}
 
العملُ الصالحُ مطلوب المؤمنين ، وهو يا عباد الله مرغوب المتقين ، وسبيلُ القاصد إلى فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وهو القائدُ إلى الفردوس في الجنات ، طوبى لمن وُفِّق إليه ، ودُلَّ عليه ، ولكنَّ العملَ لا يصلحُ  إلا بالعلم النافع، والعلمُ النافعُ لا يصلحُ إلا بالنية ، والعملُ والعلمُ والنيةُ كلُّ ذلك بالقدوة الكريمة والأسوة الحسنة ، ولقد أجمع المسلمون على فضل النبي صلى الله عليه وسلم وفضل أصحابه والتابعين ، فهم الذين رضي الله عنهم وهم الذين رضوا عنه ، هم القدوة الصالحة ، وهم الأسوة الحسنة ، تنزل فيهم وحيُ الله القرآنُ والسنة ، وتلقوا بالفهم الصائب العلم النافع كتاباً وسنةً من النبي صلى الله عليه وسلم ، استمعوا فَوَعَوْا ، وحُمِّلُوا فاحتملوا ، وقاموا هم بالعلم والعمل وبهم هم قام العلمُ العملُ خير قيام ، وأدوا الأماناتِ إلى أهلها ممن جاء من بعدهم ، صدروهم للإسلام وبالإسلام مشروحة ، وأيديهم بالبذل والعطاء للخلائق مفتوحة ، لا يقدمون على قول الله قولا ، ولا على أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أمرا ، رضا الله رضاهم ، ومحبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبوبهم ، آراؤهم لدلائل الوحي تابعة ، وأفهامهم من الكتاب والسنة نابعة ، فهم المصابيح في الدياجي ، والأنوارُ في الظُّلُمات ، طوبى لهم ولمن بهم اقتدى ، ويا سعدَ من بسَيْرِهم وسِيْرَتهم اهتدى ، اللهم إنا نُشهدُك  أننا نحبهم ، فاحشرنا معهم يوم القيامة ، وألحقنا بهم في دار الكرامة ، وألزمنا طريقتهم فهم أهلُ الاستقامة ، جاء الإسلام فرفع الله ذكرهم ، لما آمنوا به واتبعوه وعظموا ما عظم الله تعالى رفعهم الله عز وجل وأعلى ذكرهم .
أيها المسلمون يا عباد الله :
إن العلم النافع بالعمل الصالح ، وإن العمل الصالح هو ما تصلح عليه الدنيا والآخرة ، وهو يقوم على أصلين عظيمين :
 * الأصل الأولُ إخلاصُ الدين لله عز وجل ، وإخلاصُ الاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ،وهذا يكون بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، فقد روى الإمام الترمذي في السنن عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : 
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي : " يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟! " قَالَ أَبِي: سَبْعَةً سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ ،قَالَ : " فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ " ، قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ . قَالَ : " يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ " قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ : "قُلْ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي " . 
* الأصل الثاني إعمارُ الأرض بالزرع والضرع والحرث ونحو ذلك ، وسياسةُ الخَلْقِ بالحق والعدل ، حتى البهائم التي نركبها والأنعام التى نأكلها ، وهذا فيه صلاح الدنيا .
 روى الطبراني في الكبير وذكره الألباني في الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله و أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس و أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا و لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ، ( يعني مسجد المدينة ) شهرا و من كف غضبه ستر الله عورته و من كظم غيظه و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة و من مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ، و إن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل  " . 
قال السيوطي في الدر المنثور : (..وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تالي التلخيص وابن عساكر عن عبد الله بن زيادة البكري قال :
 دخلت على ابني بشر المازنيين رضي الله عنهما صاحبي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : يرحمكما الله الرجل يركب منا دابة فيضربها بالسوط أو يكبحها باللجام فهل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك شيئا ؟ فقالا : لا  قال عبد الله : فنادتني امرأة من الداخل فقالت : يا هذا إن الله يقول في كتابه وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون فقالا : هذه أختنا وهي أكبر منا وقد أدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم .
عباد الله : حريٌّ بنا لزوم الجادة وقد عرفناها ، وأن نجتنب المحادة وقد كوتنا بنارها وما ألفناها ، والعودة عن الخطأ والخطيئة ، والجماعة الجماعة ، آثمٌ من فرق الصف ومزق الشمل ، ولا حجة له أمام الله ولا أمام التاريخ ، لقد أوشك الأواصر أن تتقطع بل تقطعت لولا رحمة الله ، وضاع العيال ، وعز المنال ، واجترأ الأحيمق الزنديق ، وتقدم المهلك على الشفيق ، وتأخر الوفي عن الأمام ، وانفرد الشقي بالزمام ، فحتام حتام ، فالتوبة التوبة ، والرأفة الرأفة ، أهلك الله من أهلك لولا أن يتوب ، وفرق الله من فرق لولا أن يؤوب ،  ورحم الله من رحم ، وجمع الله من جمع ، اللهم أعزنا بعزة حولك وقوتك ونصرك العزيز ، فإننا الضعفاء إلا بك ، والحقراء إلا منك ، وأنت العليم بنا ،نعوذ بك من شر الشيطان وشركه ،  ونجنا يا إلهنا من شر نفوسنا وشر كل ذي شر إنك سميع الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده  لا إله إلا هو الملك الحق الجليل ، والصلاة والسلام على نبيه محمد من قابل الإساءة والأذى بالإحسان والصفح والصبر الجميل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً رسولُ الله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسانٍ ، أما بعد ، عباد الله :  
من عمل صالحاً فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، ولا يظلم ربك أحدا ،فالله غني عن خلقه وأعمالهم وعباداتهم ، ولكنَّ من يحسن يرجو الإحسان ، ومن يسيء فلا ينتظر إلا الإساءة ، قال عز وجل : {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160 ،وقال  :{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف147.
والإحسان حتى للدواب ، روى أبو داود بسنده إلى الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْبَدَاوَةِ فَقَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلَاعِ وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً فَأَرْسَلَ إِلَيَّ نَاقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِي : " يَا عَائِشَةُ ارْفُقِي فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا شَانَهُ " قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ فِي حَدِيثِهِ مُحَرَّمَةٌ يَعْنِي لَمْ تُرْكَبْ .
أيها الناس ، يا عباد الله : 
أعدوا واستعدوا ، والزموا طريق الصالحين، السلف الأولين، والآخرين ، أهل الاتباع والائتلاف والإنصاف ،لا أهل الابتداع والاختلاف والاعتساف ، أهل التراحم والتوادد الذين تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ، لقد أمركم الله أمراً بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته فقال : {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ ، وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي –،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودَرَك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك..
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،  ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع