إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن محمداً- صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله ،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الأحزاب ، أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المسلمون :
{مضى رمضان ، وأهل شوال.. وأقبل الحج !}
لئن انقضى رمضان فلم تنقض العبادة ، فقد مضى رمضان ، وأهل شوال.. وأقبل الحج ! ، فلنكن إخوة الإسلام مع الصادقين ، وعلى سبيل الأولين ، لنقتدي بهم ، ونعمل على صراطهم المستقيم ، قولاً وعملا ، علماً وعبادة ، ومعاملة وسلوكا ، لا سيما في الأزمان الشريفة ، كرمضان ، والأشهر الحرم ، وأشهر الحج ، والأماكن المعظمة ، كالبلد الحرام ، والبيت الحرام ، والمدينة النبوية ، وبيت المقدس ، ونحوها من البقاع ، فعلينا بالتقوى والصدق ، والاستعداد للطاعة بالطاعة ، والاستعداد للآخرة بالعبادة ، والاستعداد للعبادة بالمعاملة ، والاستعداد للمعاملة بالأدب ، واكتساب الأدب بالصبر ، واكتساب الصبر بأسبابه ، وما يعين عليه ، ومنها لزوم الوالدين ، وتوقير الكبير فالكبير ، من الأقربين ، ومرافقة الصالحين ، الأصلح فالأصلح ، وإياك من ضد ذلك كله فهو الهلاك !، قال سبحانه في سورة التوبة :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} ، فتقوى الله مقصود العابدين ، فمن كان مع الصادقين كان من أهل الصدق ، وأهل الصدق هم أهل البر ، وأهل البر هم أهل الجنة ، فعن عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إن لصدق يهدي إلي البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب [عند الله] صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " ، أخرجه البخاري ومسلم .
عباد الله أيها المؤمنون :
مضى رمضان ، وأقبل شوال والمخلصون لله ماضون في عملهم الصالحات ، في كل الأوقات وعلى كل الحالات ، لربهم أَخْبَتُوا وتَرَهَّبُوا ، وللعبادة شمروا وتأهبوا ، صاموا وقاموا إيماناً بالله ، واحتسابا للثواب من الله ، يفرون إليه سبحانه من جهنم وسوء دركاتها ، ويرغبون مقعد الصدق في الجنة وحسن درجاتها ، فيا بشراكم أيها الصادقون ، تتعبدون وتجتهدون في رمضان ، ولكنكم تواصلون بعد رمضان وقبله ، من طاعة إلى طاعة ، فالعابدون ، شعارهم الصلاة والصلات ، والصدقات والصيام ، وتلاوة القرآن والذكر ، والاستغفار والدعاء ، والأعمال الصالحات ، فلا تدعو أيها المسلمون الصيام والقيام بعد رمضان ، فقد أقبل شوال ومن الفضائل فيه صيام ست من شوال فعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر". أخرجه مسلم ، والترمذي ، ومما يعين على القيام والصيام ما نقله الإمام المقريزي في مختصره لـ قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر للإمام محمد بن نصر ، وفيه : [ ..عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَبِأَكْلَةِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ " ، وَمَرَّ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْمٍ فِي السُّوقِ فَرَأَى مِنْهُمْ مَارًّا فَقَالَ: أَمَا يَقِيلُ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " إِنِّي لَأَرَى لَيْلَهُمْ لَيْلَ سُوءٍ " ، وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: " الْقَائِلَةُ مِنْ عَمِلَ أَهْلِ الْخَيْرِ ، وَهِيَ مَجَمَّةٌ لِلْفُؤَادِ مِقْوَاةٌ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ " ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَامِلًا لَهُ لَا يَقِيلُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ : فَقِلْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ " ، وَعَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: " نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ حُمْقٌ، وَوَسَطِهِ خُلُقٌ، وَآخِرِهِ خُرْقٌ " ] اهـ .
عباد الله :
أقبلوا على الله تقبلون ، فلنقبل على الله وذلك بالإقبال على عباده ، ولنصلح ذات بيننا ، ولنجمع كلمتنا ، ولنوحد صفنا ، طائعين لله ولنرفع أكف الضراعة بالابتهال ، اللهم فرج عنا الكروب يا علام الغيوب ، وارفع عظيم البلايا بجليل العطايا ، اللهم و اغفر لنا الذنوب والعيوب والآثام و الخطايا ، وأدخلنا الجنة دار السلام ، أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .
الخطبة الثانية
الحمد لله على ما هدى وكفى ووقى ، فله سبحانه الفضل والمنة في الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على محمد النبي المرتضى ، ما ذكر الله الذاكرون ، وشكره سبحانه الشاكرون ، وعلى آله الأصفياء ، وأصحابه الأتقياء ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنه وكرمه اللهم آمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، أيها المسلمون :
مضى رمضان ، وأقبل شوال والحج معه ، فالحج أسهر معلومات ، وهي شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، فريضة الله على من استطاع إليه سبيلا ، فالحج عبادةٌ لها رونقها بعبيرها ، وطاعةٌ لها شذاها بحبيرها ، وللحجاج والعمار العابدين والطائعين مالهم من البهاء والإشراق ، فيا سروركم أيها الحجاج إلى بيت الله ، أنتم وفد الله وضيوفه ، قصدتم بيته المحرم ، تطوفون وتصلون وتشربون من الماء الطهور زمزم ، وتستلمون الحجر الأسود يمين في الله في أرضه ، وهو يشهد لمن استلمه بحق ، ذلك أن الله وضع البيت مباركاً لعبادته وتوحيده ، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } (آل عمران: 96 ، 97 ) ، يا عباد الله فشمروا عن ساق الجد والاجتهاد ، ففي الأوسط للطبراني من طريق عبد الرزاق واللفظ له بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( يقول الرب تبارك وتعالى إن عبدا وسعت عليه الرزق فلم يفد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم ) اهـ .
عباد الله أيها المسلمون :
فلنتق الله ، ولنتعاون على البر والأخلاق الفضيلة ، ولبتعد عن الشر والأخلاق الرذيلة .. ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال : {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وآله المطهرين ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم واهد جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه خير البلاد والعباد ، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين ، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.