2018/09/07 {ربنا اختم لنا بخير عاماً يمضي وافتح لنا ببركاتك عاماً يأتي}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)  }الأحزاب ، أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المسلمون :  
 
{ ربنا اختم لنا بخير عاماً يمضي وافتح لنا ببركاتك عاماً يأتي}
 
ندعو الله ربنا اختم لنا بخير عاماً يمضي ، وافتح لنا ببركاتك عاماً يأتي ، اللهم فاغفر لنا ما قصرنا وأخطأنا فيما مضى ، وأصلحنا لنصلح وأصلح لنا فيما أتى ، فالعباد بأعمالها في أيام الله تتقلب ، بين الشهور والسنين والأعوام ، فمن أصلح فيا بشراه ، ومن الخير فليزدد ، ومن أساء فيا ويله ، وعن التقصير فليرجع ، فالله مع المتقين ، قال الله تعالى في سورة التوبة: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) } ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا العلم والعمل جميعا ، روى الإمام البخاري في الصحيح عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حجة الوداع ( إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) .
إخوة الإسلام والإيمان:
القرآن الكريم ومنه هذه الآية والحديث الشريف ، يبين لنا أن شريعتنا تقوم أحكامها على هذه السنة المبتدأة بشهر الله المحرم ، والتى تدور أيامها ولياليها على مقتضى الشهور القمرية . ليس الشمسية ، فحجنا في أشهر الحج الثلاثة شوال وذي القعدة وذي الحجة ، وصيامنا في رمضان ، والعام أو الحول المشترط في زكاة الأموال إنما هو الحول بهذه المثابة وكذلك أعيادنا الإسلامية الفطر والأضحى  وتاريخنا إنما كان أرخ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه والمسلمون من بعده بذلك ، فديننا وعقيدتنا واستقامة أحكامنا الشرعية تكون بالعام القمري والسنة الهجرية بشهورها العربية ، ولا بأس باستعمال التوقيت الشمسى في أمور الدنيا ، من زرع وضرع ، وحرث وبناء وغرس ، وغير ذلك ، مما لا يستقيم عمل الدنيا إلا به ، فنحن المسلمين ننشد الخير حيث كان ما دام فيما أباحه الله ، وشرعه لنا رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من طريق أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع أصواتاً فقال :" ما هذا " ؟ قالوا : يُلْقِحُون النخل .فقال : " لو تركوه فلم يُلْقِحُوه لصلح " . فتركوه فلم يُلْقِحُوه فخرج شيصاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما لكم "؟ قالوا: تركوه لما قلت.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان شيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم به ، فإذا كان من أمر دينكم فإلي " . قال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم . قال الإمام القرطبي : ( .. هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب ، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرا ، لأنها مختلفة الأعداد ، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص ، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص ، والذي ينقص ليس يتعين له شهر ، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج ) اهـ .
عباد الله :
وقوله تعالى في الآية : {.. فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ..} أي في الأشهر الحرم خاصة ، وسائر الشهور في السنة كلها ، فإن الذنب يعظم بعظم الزمان والمكان أيضاً فوق حرمته في نفسه ، فلنؤد حق الله ، ولا يمكن أن نؤدي حق الله وافياً إلا بالوفاء لعباده بحقوقهم ، وإحسان معاملة الخلائق ، الطير في السماء ، والدواب على الأرض ، حتى الحيتان والأسماك في البحر ، بأن نحل ما أحله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونحرم ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، زماناً ومكاناً ، والأشياء كلها ، من دابة وطير وشجر وحجر ، وعمل ومعاملة ، فنؤدي الأمانات في المعاملات من بيوعٍ وديونٍ وإجارةٍ وغير ذلك إلى أهلها كاملةً غير منقوصة ، وفي آجالها المعلومة دونما تأخير ، فمطل الغني بتأخير دفع حقه إليه في موعده ، وهذا مع القدرة على الوفاء ظلم يحل عرضه ويحل عقوبته كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم .
عباد الله أيها المؤمنون :
ألا فلنتق الله سبحانه ، موحدين لله تعالى ، مستقيمين على هداية نبيه صلى الله عليه وسلم ، عاملين بوصيته المسلمين في حجة الوداع ، فالله لا يحب الفساد ، ولنعظم لله حرماته ، ولنشكر له سبحانه بركاته ، راحمين الخلائق ، حفظاً للحرث والنسل ، والأنفس والأموال ، والأعراض والأديان ، للمسلمين وللناس أجمعين ، عندئذٍ نسعد في الأولى والآخرة ، ولنضرع إلى الله وما كان لله فهو أبقى ، اللهم ربنا أعنا بذكرك على شكرك ، وبطاعتك على معصيتك ، وبالتذلل إليك على العزة بك ، وعلى القرب منك بالقرب من ضعفاء عبادك ، وعلى السعي للآخرة بالزهد في الأولى ، اللهم ارزقنا حلاوة مناجاتك ، وأذقتا ربنا لذة عباداتك ..إنك سميع الدعاء ، اللهم من أصبح بك مؤمناً فمن الإيمان زده ، وشارداً فإلى الصراط المستقيم أعده ، أو مبتلىً فعافه ، أو عليلاً فشافه ، أو طريداً فآوه ، أو سائلاً فأعطه ، أو فقيراً فأغنه ، أو مقلاً فأقنه ، إنك الجواد الرحمن الرحيم
 
الخطبة الثانية
 
الحمد لله حمداً كافياً وافياً بكلِّ لسان ، يكافي بالشكر ما أكرم وأنعم ، ويوافي بالذكر ما أسبغ وأتمم ، والصلاة والسلام على النبي محمدٍ سرمداً أبدا ، ما ذكر الله الذاكرون ، وشكره سبحانه الشاكرون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد ، أيها المسلمون : 
فلنرجع عن الخطأ والخطيئة فيما مضى ، ولنعد الحق إلى أهله ، ولنعزم في العام الجديد على الوقوف عند أحكام دين الإسلام ، فلا نتعدى حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا قبل أن يلقى الله في العام التالي ..في حديث أبي بكرة رضي الله عنه في حجة الوداع من رواية الإمام أحمد في المسند قال صلى الله عليه وسلم : (.. " أي يوم هذا؟ " .قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا إنه سيسميه بغير اسمه قال  : أليس يوم النحر قلنا :بلى ثم قال: أي شهر هذا قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا إنه سيسميه بغير اسمه فقال :أليس ذا الحجة قلنا: بلى ثم قال: أي بلد هذا قلنا :الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا إنه سيسميه بغير اسمه قال: أليست البلدة قلنا :بلى قال :فإن دماءكم وأموالكم ، - قال : وأحسبه قال - وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ،ألا هل بلغت ؟ ،ألا ليبلغ الشاهد الغائب منكم ، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه " . قال محمد : وقد كان ذاك قال قد كان بعض من بلغه أوعى له من بعض من سمعه  ) اهـ .
عباد الله :
هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الخطائين المخطئين ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم  وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وإخواننا وأخواتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يارب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، وارعه برعايتك أوليائك المتقين ، واشمله بنصرك وتأييدك السابقين الأولين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ،برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع