2018/11/30 { محمد رسول الله والذين معه}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
الحمد لله ما توالى الغمام بالغيث وابلا ، والصلاة والسلام على محمد وآله تاماً كاملا ، وأشهد أن لا إله إلا الله موقنا عاملا ، وأشهد أن محمداً رسوله برحمة العالمين شاملا ، صلى عليه الله والملائك والمؤمنون وسلم تسليما ، على التأبيد مباركاً وافيا ، للقلوب والأبدان دواءً شافيا ، نور الهداية للثقلين ، وشمس الحقيقة بالوحيين ، وحي القرآن لمن تلا متعبدا ، ووحي السنة تابعاً متأكدا ، سبحان الله ختم به النبوة ، وأكمل الرسالة ، فلا نبي من بعده أبدا ، أرسله سبحانه شاهداً ومبشراً ونذيرا واحداً أحدا ، وأيده بالمؤمنين والمؤمنات ، رجالاً ونساءا ، أجابوا دعوته واتبعوا طريقته إسراراً ونداءا ، فلله أولئك القوم هم خير البرية ، أصحاب النفوس الرضية ، والسيرة المصطفوية ، أيها المؤمنون :
 
{ محمد رسول الله والذين معه}
 
أحبوا نبيكم صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم ، فمن أحبهم كان معهم ، ومن أحب القوم فهو بفضل الله منهم ، أما نبيكم عليه الصلاة والسلام  وتواضعه فقد روى الإمام البغوي في شرح السنة عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ " ، وروى البغوي كذلك عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ : قِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْها مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ " . أما أصحابه الذين آمنوا معه أولئك رضي الله عنهم ورضوا عنه ،عبادٌ رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ، فأكرم بهم ، وصفهم الله - جل جلاله - في سورة البينة بأنهم خير البرية ، لأنهم آمنوا به وحده لا شريك له ، وعملوا الصالحات ، وإذا رضي الله عن العمل رضي عن العاملين ، وأثابهم خير الجزاء ، عنده تشريفاً وتعظيماً لهم ، قال عز من قائل : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)  }.عبادٌ رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ، فأكرم بهم ، هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، هم أعلاهم كعبا ، وأزلفهم عند الله قربا ، سبقوا ، فآمنوا بالله تعالى ، وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبذلوا لله تعالى نفوسهم وأموالهم ، فقد اشتراها الله عز وجل منهم بأن لهم الجنة ، قال تعالى في سورة التوبة : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)  } .
عباد الله ، أيها المسلمون :
هذا واحد من أولئك المحبين ، جاء في الصحيحين واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك : ( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم:متى الساعة يا رسول الله ؟..قال: " ما أعددت لها "؟.. قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ، ولا صوم ، ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: " أنت مع من أحببت " ) ، وزاد في رواية مسلم : ( ..قال أنس : فما فرحنا بشيءٍ فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:{أنت مع من أجببت } قال أنس : فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل أعمالهم ) اهـ .
وهذا رجل آخر ، روى النسائي في السنن عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ " .
بارك الله لي ولكم يا عباد الله في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، و هدي سيد المرسلين وقوله القويم .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيبا ، كما يليق بجلاله ، وينبغي لكماله ، والصلاة والسلام على محمدٍ  وآله وأصحابه وابلاً صيبا ، وعلى من اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ، أيها الناس ، يا عباد الله:
محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله والذين معه ، هم الصادقون ، استحقوا الجنات خالدين أبدا ، وفيهم قال تبارك اسمه في سورة المائدة : {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) }، وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إن الصدق يهدي إلي البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب [عند الله] صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ". أخرجه البخاري وهذا لفظه ، ومسلم ، ومالك وأبو داود والترمذي .
روى الشيخان البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : ( غاب عمي أنس بن النضر - رضي الله عنه - عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله ، غبت عن أول قتال قاتلتَ المشركين ، لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع . فلما كان يوم أحدٍ انكشف المسلمون ، فقال : اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني :أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني : المشركين - ثم تقدم ، فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب الكعبة إني أجد ريحها من دون أحد ، قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع ! قال أنس : فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ، ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، قال أنس:كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه :{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }[ الأحزاب : 23] إلى آخرها ، متفق عليه .
عباد الله : 
ألا فلتصلوا ولتسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – ، وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك ياأرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع