2019/05/10 {رمضان موسمكم أيها المؤمنون}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
الحمد لله منزل الكتاب في رمضان ، وهو المحكم سبحانه تفصيله بالفرقان ، هدايةً من الضلال ، وتوفيقاً لصالح الأعمال ، تجديداً لما وهى ، وتبياناً لما عفا ، فالحق أبلج ، والباطل لجلج، فحجج الله على خلقه ولهم ظاهرة ، وآياته قائمة ظافرة ، والصلاة والسلام على محمدٍ الرسولِ المصطفى ، والنَّبِيِّ المجتبى ، صفوةِ الخلق أجمعين ، سيدِ الأولين والآخرين ، صاحبِ الحوض المورود ، والقائمِ المقام المحمود ، لا زالت أمته بالحق ما تمسكت غالبةً منصورة ، وما برحت عداتها ببغيها مغلوبةً مقهورة ،  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جل عن الشبيه والمثال ، وعزَّ فلا تضرب له الأمثال ، واحدٌ لا إله إلا هو ، ولا يشبهه أحدٌ في ربوبيته ولا في ألوهيته ، ولا في أسمائه وصفاته ، ليس كمثله شيء سبحانه وهو السميع البصير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسلم تسليما ، أما بعد ، أيها المسلمون يا عباد الله :     
          
{ رمضان موسمكم أيها المؤمنون }
 
شهر كله تعبد وتقدس ، صيام بالنهار، وقيام بالليل ، تلاوة لكتاب ربنا وتدبر ، وذكر لله وشكر ، واستغفار وثناء ، وصلة بين الناس وبر ، وتعاهد لذوي الحاجات ، وتفريج للكروب ، ومغفرة للذنوب ، تتجلى فيه الرحمات وتتنزل البركات ، فيقبل الصائمون على قراءة القرآن ومدارسته ، والقرآن الكريم روح من أمر الله تعالى يهتدي به التائهون ، وتقوى به وتحيا الأمة الضعيفة الخاملة ، فتعلو الهمم بعد دناءة ، وتغتني النفوس بعد فقر ، وتنتصر الإرادة بعد هزيمة ، وترتفع بعد ضِعة ، ففي القرآن الكريم  من الضلال هداية ، و من التردد والشك ثباتٌ ويقين ، ولهذا كانت عناية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن ظاهرة مشهورة ، وكان أصحابه رضي الله عنهم يحرصون على تعلمه وتعليمه ، وتفهمه وتفهيمه ، وهكذا كان السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ، من بعده ، والمسلمون من بعدهم ، وإلى اليوم ، يتأسون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس من رواية الزهري عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة ٍمن رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) اهـ .
وإنه يا عباد الله ما من أمر مشروع تعبدأً أو معاملةً إلا وقبله من الأعمال المرعية ما يمهدُ لأدائه ، فلنوطن أنفسنا في عُدَّةٍ لائقة ، ومعانٍ رائقة ، من التقوى والعمل الصالح ..
 أولاً : بالتصديق بالوحي كتاباً وسنة بما صدق به الأولون من السلف الصالحين واليقين بالله وبوعده ، وهذا لا يتم إلا بترك الأهواء والشبهات والآراء الباطلة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولما أجمع عليه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها .
ثانياً : بالتوكل على الله سبحانه وتعالى ، وحسن الظن به ، وبابه الورع ، ويكون الورع بالتورع ، والتورعُ هو ترك الشبهات ، سواء في مأكول أو مشروب أو ملبس أو غيره ، فمن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال:  [ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه : " إن الحلال بين ، وإن الحرام بين ، وبينها أمور مشتبهات لايعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات ، استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا ولك ملك حمى ، إلا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب "] اهـ. 
ثالثاً : ولنتب مما سبق من التقصير في الطاعة ، ومن مقاربة المعاصي أو الوقوع فيها : إذ لا يتمُّ التورعُ ما لم يبادر كل واحدٍ منا إلى التوبة النصوح ، فيقلع العاصي عن معصيته ، ويندم المخطئ على خطئه ، ويقبل المدبر على ربه جل وعلا ، يقول الله جل وعلا في سورة البقرة : { ..إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} . 
رابعاً : ولنوطن أنفسنا على الإحسان ، وأعمال البر ، لا سيما الأرحام ، والجيران ، والفقراء والمساكين ..، فمن وصل وصله الله ومن قطع قطعه الله ، وليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل كما جاء في الحديث عند البخاري في الصحيح وأبي داود والترمذي وأحمد واللفظ للبخاري عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
"  لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا " .  وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ، وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه .فقد روى الترمذي والدارمي وأحمد واللفظ للترمذي عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ " .
أيها المسلمون :
ولنوطن أنفسنا في رمضان على إنفاق المال في وجوه الخير ، ومن ذلك الصدقات ، وفي الصحيحين وهذا سياق البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : 
 (كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه و سلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) . 
فالصدقة من الصدق ، فليكن كلٌ منا صادقاً سخياً كريماً جواداً رحيماً ، يجود بالخير والمال ، قليلاً أو كثيراً ما استطاع ، لا يبخل ، قال الله تعالى : 
{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} آل عمران (92) 
والصدقة بركة للمال وطهارة للعمل ، وحق لأصحابها المبذولة إليهم .
عباد الله : 
فلنقبل في هذا الشهر على الله بالإقبال على عباده ، ولنصلح ذات بيننا ، ولنجمع كلمتنا ، ولنوحد صفنا ، طائعين لله فبه سبحانه صلاح الأحوال ، وقبول الأعمال ، فلنرفع أكف الضراعة بالابتهال ، اللهم فرج عنا الكروب يا علام الغيوب ، وارفع عظيم البلايا بجليل العطايا ، اللهم و اغفر لنا الذنوب والعيوب والآثام و الخطايا ، ووفقنا لتقبل منا الصيام والقيام ، وأكرمنا لتدخلنا الجنة دار السلام ، أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .
 
الخطبة الثانية
 
الحمد لله حمداً كثيرا يليق بجلاله وجماله ، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله الأطهار ، وصحابته الأخيار ، ومن اتبعهم بإحسانٍ ما توالى الليل والنهار ، حتى يرضى ربنا الرحيم العزيز الغفار ،وعنا معهم اللهم آمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، إخوة الإيمان والإسلام :
ومن وجوه الخير العمرة في رمضان ، فهي تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روى أبوداود و الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد واللفظ لأبي داود عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ( أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا : أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلِكَ . فَقَالَ : مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ . قَالَتْ : أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ . قَالَ : ذَاكَ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ امْرَأَتِي تَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ ، وَإِنَّهَا سَأَلَتْنِي الْحَجَّ مَعَكَ ، قَالَتْ : أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ : مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ . فَقَالَتْ : أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ . فَقُلْتُ : ذَاكَ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ : " أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَحْجَجْتَهَا عَلَيْهِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " . قَالَ : وَإِنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا يَعْدِلُ حَجَّةً مَعَكَ ؟ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَقْرِئْهَا السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ ، وَأَخْبِرْهَا أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي يَعْنِي عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ " ) .
ومن وجوه الخير تفطير الصائمين ، ففي سنن الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد واللفظ للترمذي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
  " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فلنحذر إخوة الإسلام أن نكون في هذا الشهر من المحرومين : ما استمعوا لناصح ، ولا انتفعوا بهداية ، ما أصغوا لمكلوم ، ولا التفتوا لمعدوم ، وما رَقُّوا لثكلى ، في أعراض العباد يسرحون ويمرحون ، وفي المال الحرام بالخطايا يرتعون ، على الهوى  مقبلون ، وعن الهدي معرضون ، يقيمون على ما يشتهون ، شغلتهم الهدايا عن الهدايات ، لا يرحمون ولا يتراحمون ، فما رحموا ولدا ، ولا عظموا والدا ، ولا أطاعوا نبيا ،كأنهم ما سمعوا ما في سنن البيهقي الكبرى عن الوليد بن رباح عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى المنبر فقال : " آمين ، آمين ، آمين ، فقيل له : يارسول الله ماكنت تصنع هذا ؟ .. فقال : " قال لى جبرئيل عليه السلام :رغم أنف عبدٍ دخل عليه رمضان فلم يُغْفَرْ له ، فقلت : آمين .ثم قال : رغم أنف عبد ذُكِرتَ عنده فلم يصل عليك . فقلت : آمين .ثم قال :رغم أنف عبدٍ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة .فقلت : آمين " أهـ . 
عباد الله :
هداني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، وعبادك الصالحون ، ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وإخواننا وأخواتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يا -رب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك ، ووفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ،برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع