2019/06/14 {الحياة الطيبة لمن عمل صالحاً وهو مؤمن!}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب .
 أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون : 
 
{ الحياة الطيبة لمن عمل صالحاً وهو مؤمن ! }
 
كلُّ عامل بما عمل مجزيّ ، وهو في الناس ما بين مسرورٍ ومخزي ، فأما من عمل المعروف فهو على السبيل السَّوىّ ، وأما من فرط فقد هوى إلى الطريق الغَوِيّ ، فارتد لرجلك قبل الخطو موضعها ، واختر لنفسك في أهل الفضل موقعها ، والزم ما عليه أهل الإيقان ،  واسلك سبيل الأمن بالإيمان ، واستظلل وارف التسليم بالإسلام ، فالسعيد من اعتزل الفتن وجانب المفتونين ، وخاب من خاض مع الخائضين ، لا سيما مع اجتراء الحمقى المغرورين ، وانزواء أهل الصيانة والديانة المذكورين ، يقول الله تعالى في سورة النحل(97) : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، قال  الإمام ابن كثير :
( هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا -وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله -بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه  بأحسن ما عمله في الدار الآخرة.
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب.
وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه فسرها بالقناعة. وكذا قال ابن عباس، وعكرمة، ووهب بن منبه.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أنها السعادة.
وقال الحسن، ومجاهد، وقتادة: لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة.
وقال الضحاك: هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا، وقال الضحاك أيضا: هي العمل بالطاعة والانشراح بها. 
والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد:
حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني شرحبيل بن شريك، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه".
ورواه مسلم، من حديث عبد الله بن يزيد المقرئ به ، وروى الترمذي والنسائي، من حديث أبي هانئ، عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع  به" ) اهـ. 
   إخوة الإسلام ، يا عباد الله : 
أهل الحياة الطيبة بالإيمان والعمل الصالح الترغيب بحسن الظن في الله ثم في الناس طريقتهم المستقيمة ـ بعيداً عن سوء الظن بالله أو بحلقه ، روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إذا سمعتم الرجل يقول : هلك الناس، فهو أهلكهم" . أخرجه مسلم ، والموطأ، وأبو داود.
قال الخطابي : فيه وجهان، أحدهما : أنه في أصحاب الوعيد، ومن يرى رأي الغلاة منهم في الخلود على الكبيرة، واليأس من عفو الله، والقنوط من رحمته، يقول : فمن رأى هذا الرأي، كان أشد هلاكا، وأعظم وزرا ممن قارف الخطيئة، ثم لم ييأس من الرحمة.
الوجه الثاني : أن يكون ذلك في الرجل يولع بذكر الناس، وإحصاء عيوبهم، وعد مساويهم، فهو لا يزال يقول : هلك الناس، وفسدت نياتهم، وقلت أماناتهم، ويذهب بنفسه عجبا، ويرى لها على الناس فضلا، يقول : فهذا بما يناله في ذلك من الإثم أشد هلاكا وأعظم وزرا ] اهـ . ، وفي الاعتصام للإمام الشاطبي رحمه الله قال : ( ...خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45 - 46]، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا، فَقَالَ: 
" انْطَلِقَا فَبَشِّرَا وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا؛ فَإِنِّي أُنْزِلَتْ عَلَيَّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ".
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: " بَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرًا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا "   ) اهـ .
يا عباد الله :
ندعو الله ربنا ، اللهم لك الحمد أنت أهل التقوى وأهل المغفرة ، أنت الرحيم فارحمنا، أنت الغني ونحن الفقراء ، وأنت القوي ونحن الضعفاء ، وأنت العزيز ونحن الأذلاء ، أنت ربنا وحدك لا شريك لك ، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله ربنا كثيراً طيبا كما يليق لجلاله ، وينبغي لكماله ،والصلاة والسلام على محمدٍ نبينا وآله وابلاً صيبا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ، أيها الناس ، يا عباد الله:
الجنة فيها الحياة الطيبة حقاً ، فهي دار السلام ، أهل الجنة في الآخرة هم أهل الجنة في الدنيا ، فهم أهل الإيمان بالله والعمل الصالح ، هم أهل السلام بين الناس  قولاً وعملا ، تحياتهم ، ومخاطباتهم ، ومجالسهم ، ومعاملاتهم ، ومحياهم ، ومماتهم ، لأن الله رب العالمين ربهم الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام ، ولأن رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم رحمة الله للعالمين ، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )) رواه مسلم .
وأهل الحياة الطيبة تحيتهم السلام ، وهي تحية أبيهم آدم عليه السلام من قبل ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( لما خلق الله آدم - صلى الله عليه وسلم - ، قال : اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك ؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله )) متفق عليه .
وهم أهل الصلاة والصلة والمرحمة ، فعن أبي يوسف عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول : (( يا أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام )) رواه الترمذي ، وقال :حديث حسن صحيح . 
   إخوتنا يا أهل الإسلام : 
  فلنخلص العبادة لله تعالى موحدين غير مشركين ، ولنتبع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، على صراط الله مع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ولنستعن في ذلك بالصبر والصلاة  ، كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } البقرة153. ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. ألا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى ، والرسول المرتضى صفوة الخلائق أجمعين ، سيد الأولين والآخرين ، من بطاعته صلاحُ الدنيا وزكاةُ الدين ، محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنه وكرمه سبحانه إنه أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وانصر بفضلك عبادك المؤمنين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة ، وولي أمرنا في بلدنا خاصة ، اللهم أعنه على ما تحب وترضى ، وأيده بالحق والعدل ، وارزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالخير وتحثه عليه ، وجنبه البطانة الفاسدة التي تأمره بالشر وتحثه عليه ، اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، اللهم انا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتة الأعداء ، اللهم أغننا من الفقر واكسنا من العري واهدنا من الضلال وبصرنا من العمى واجعلنا من الراشدين ، اللهم انا نعوذ بك من الجبن والبَخَل والعجز والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع  وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاً لا يسمع ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وأجدادنا وجداتنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا وأقرباءنا وقريباتنا وجيراننا وجاراتنا والمسلمين أجمعين اللهم آمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع