2019/08/02 {العمل الصالح في الأيام العشر!}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب .  أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون : 
 
{العمل الصالح في الأيام العشر !}
 
أيام الله ولياليه سوق رابح للأعمال الصالحات ، ولئن ذكر الله فضل خير الليالي في قوله : { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} ؛ فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل خير الأيام في قوله : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ..." ، وهي مطلب المؤمنين ، يبتغون فيها التقرب إلى الله عزوجل ، فيعطون ، ولكن مع  التصديق والتقوى ، ويبذلون ، ولكن مع اليقين بما عند الله فهو أبقى ، هي الأيام التي سماها الله تشريفاً وتعظيما ، وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيباً وتكريما ، فيا من جد في العمل قرب الحصاد ، ويا من تباطىء به الكسل ما ينفعك الرقاد ، القطار بالعمر سريع ، والطريق موحشٌ ومُريع ، والمخاوف تتربص ، والنفس - لولا الإيمان بالله - بالسوء أمارة ، والعين -لو لا رحمة الله - بالعورات غرارة ، فاستقم يا عبد الله تصل ، وإن اعوججت فلا تلومن إلا نفسك ، أيها العابدون الخيرات دونكم فلتنهلوا ، أيها السابقون هذا ميدان العمل فلتقبلوا ، هاهي عشر ذي الحجة فيها الثواب ، فيا بشراك يا من وفقت للسنة والكتاب ، لم تزغ بل لزمت واستقمت على طريق التابعين والأصحاب ، فكنت من أولئك الذين أخلصوا دينهم له سبحانه ولم يشركُوا به شيئاً ؟!.. ، طائعاً رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومتبعاً سنته مع المسلمين ، فقد روى البخاري وأبو داود واللفظ له والترمذي وابن ماجة وأحمد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " اهـ .
أيها المؤمنون :
 عشر ذي الحجة فيها الحج ، وهو جهادٌ لا شوكة فيه ، فعَنْ عُثْمَانَ بن أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ، قَالَتْ: ( جَاءَ رَجُلٌ اِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ:أَلا أَدُلُّكَ عَلَى جِهَادٍ لا شَوْكَةَ فِيهِ؟قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:حَجٌّ الْبَيْتِ ) اهـ . رواه في المعجم الكبير للطبراني واللفظ له ومصنف عبد الرزاق وسنن سعيد بن منصور ، والحج أفضل العمل بعد الفريضة ، روى عبد الرزاق قال أخبرنا بكار قال : ( سئل طاووس : الحج بعد الفريضة أفضل أم الصدقة ؟ .فقال أين الحل والرحيل والسهر والنصب والطواف بالبيت والصلاة عنده والوقوف بعرفة وجمع ورمي الجمار كأنه يقول الحج ) أهـ . من الأعمال في العشر ما يتعلق بالبدن كالصلاة ، وما يتعلق بالمال كالصدقة ، وما يتعلق بالبدن والمال كالحج ، والتضحية ، قال تعالى في سورة الكوثر : ( فصل لربك وانحر ) .
 إخوة الإسلام ، يا عباد الله : 
* لنكثر في العشر من الصدقات ، ولنتق الله ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة ، روى مسلم والنسائي وابن ماجة عن جرير قال : ( كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه قوم مجتابي النمار متقلدي السيوف عليهم أزر ولا شيء غيرها ، عامتهم من مضر ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الذي بهم من الجهد والعري والجوع تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فدخل بيته ، ثم راح إلى المسجد ، فصلى الظهر ثم صعد منبره ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد ذلكم فإن الله أنزل في كتابه :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } تصدقوا قبل أن لا تصدقوا ، تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة ، تصدق امرؤ من ديناره تصدق امرؤ من درهمه ، تصدق امرؤ من بره ، من شعيره ، من تمره ، لا يحقرن شيء من الصدقة ولو بشق التمرة « فقام رجل من الأنصار بصرة في كفه فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على منبره فعرف السرور في وجهه ، فقال : من سن في الإِسلام سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً ، ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً فقام الناس فتفرقوا فمن ذي دينار ، ومن ذي درهم ، ومن ذي طعام ، ومن ذي ، ومن ذي فاجتمع فقسمه بينهم ») اهـ .
أيها المسلمون إخوة الإيمان :
صيام العشر من الأعمال الصالحة: وقد روى أبو داود وأحمد واللفظ له عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ) اهـ . قَالَ عَفَّانُ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ . قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحبابا شديدا ، أما يوم عرفة فقد روى مسلم في الصحيح واللفظ له عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أن رجلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وفي الحديث يساله عن الصوم - فَقَالَ: " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " اهـ .
ولنكثر في العشر من التحميد والتهليل والتسبيح : وفي مشكل الآثار للطحاوي عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ فِيهِنَّ الْعَمَلُ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامِ الْعَشْرِ ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ "
عباد الله :
السعبد من انتهى إلى ما سمع ، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه الغفور الرحيم .
 
الخطبة الثانية
الحمد لله ربنا كثيراً طيبا كما يليق لجلاله ، وينبغي لكماله ،والصلاة والسلام على محمدٍ نبينا وآله وابلاً صيبا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ،  أيها الناس ، يا عباد الله:
أيام العشر أيام الحج والهدي للحاج والتضحية لغيره ، ويا من وجدت السعة لا تبخل ، فإن الأضحية من سبيل الله ، فطب بها نفساً ، إنها سنة أبيك إبراهيم عليه السلام ، ودعا إليها نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،عن النبي صلى الله عليه وسلم   " مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا " 
و يا من أراد الأضحية عظمها بشروطها ، فالأجر بإقامة الشعيرة ، والأفضل ما توافرت فيه الشروط وكان من الغنم ، ثم من البقر ، ثم من الإبل ، قال سبحانه في سورة الحج : {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ  )32) }، و من أراد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ شيئا من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته، فقد روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  " إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا " اهـ . والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه، وإذا أخذ شيئا من ذلك ناسيا أو جاهلا أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه، مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه ، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله ، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه.
إخوتنا يا أهل الإسلام : 
  فلنخلص العبادة لله تعالى موحدين غير مشركين ، ولنتبع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، على صراط الله مع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ولنستعن في ذلك بالصبر والصلاة  ، كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } البقرة153. ألا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى ، والرسول المرتضى صفوة الخلائق أجمعين ، سيد الأولين والآخرين ، من بطاعته صلاحُ الدنيا وزكاةُ الدين ، محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنه وكرمه سبحانه إنه أكرم الأكرمين ، اللهم تب علينا واهدنا السداد قولاً وعلماً وعملا ، ربنا أعزنا بالإسلام وجميع المسلمين ، وانصر بفضلك عبادك المؤمنين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة ، وولي أمرنا في بلدنا خاصة ، اللهم أعنه على ما تحب وترضى ، وأيده بالحق والعدل ، وارزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالخير وتحثه عليه ، وجنبه البطانة الفاسدة التي تأمره بالشر وتحثه عليه ، اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، اللهم انا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتة الأعداء ، اللهم أغننا من الفقر واكسنا من العري واهدنا من الضلال وبصرنا من العمى واجعلنا من الراشدين ، اللهم انا نعوذ بك من الجبن والبَخَل والعجز والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع  وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاً لا يسمع ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وأجدادنا وجداتنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا وأقرباءنا وقريباتنا وجيراننا وجاراتنا والمسلمين أجمعين اللهم آمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع