2019/08/16 {من وصية الله ورسوله صلى عليه وسلم في الحج}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب . أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون : 
 
{من وصية الله ورسوله صلى عليه وسلم في  الحج}
 
 عبادة الله تنتظم القلب واللسان والجوارح ، علماً وإقراراً وعملا ، ويتجلى ذلك في أركان الإسلام الخمسة والأحكام الشرعية كلها ، والحج إلى البيت العتيق يتوج الأعمال كلها بالقبول والمغفرة ، ومن حصلت له المغفرة فقد أصلحه الله ،  ومن أصلحه فقد قبله ، ومن قبله فقد رضي عنه ، لهذا جاء قول الله جل جلاله في سورة البقرة : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) } ، فالواجب في وصية الله هذه للحجيج عند انقضاء المناسك ملازمةُ الذكر ، ودعاءُ الله من خير الدنيا والآخرة ، ليس كالمشركين الذين يريدون الدنيا ولا يؤمنون بالآخرة ، فال الإمام السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن : ( .. ثم أخبر تعالى عن أحوال الخلق، وأن الجميع يسألونه مطالبهم، ويستدفعونه ما يضرهم، ولكن مقاصدهم تختلف، فمنهم: { من يقول ربنا آتنا في الدنيا } أي: يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته، وليس له في الآخرة من نصيب، لرغبته عنها، وقصر همته على الدنيا، ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين، ويفتقر إليه في مهمات دينه ودنياه، وكل من هؤلاء وهؤلاء، لهم نصيب من كسبهم وعملهم، وسيجازيهم تعالى على حسب أعمالهم، وهماتهم ونياتهم، جزاء دائرا بين العدل والفضل، يحمد عليه أكمل حمد وأتمه، وفي هذه الآية دليل على أن الله يجيب دعوة كل داع، مسلما أو كافرا، أو فاسقا، ولكن ليست إجابته دعاء من دعاه، دليلا على محبته له وقربه منه، إلا في مطالب الآخرة ومهمات الدين ، والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد، من رزق هنيء واسع حلال، وزوجة صالحة، وولد تقر به العين، وراحة، وعلم نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك، من المطالب المحبوبة والمباحة ، وحسنة الآخرة، هي السلامة من العقوبات، في القبر، والموقف، والنار، وحصول رضا الله، والفوز بالنعيم المقيم، والقرب من الرب الرحيم، فصار هذا الدعاء، أجمع دعاء وأكمله، وأولاه بالإيثار، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به، والحث عليه ) اهـ . 
أيها المسلمون يا عباد الله :  
وأما وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال : " رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر ، وهو يقول : خذوا عني مناسككم ، لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" . وفي رواية النسائي : " فإني لا أدري ؟ لعلي لا أعيش بعد عامي هذا" ، وفي صحيح البخاري :  عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:  ( " الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ، ذو القعدة ، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا "، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " أليس ذو الحجة"، قلنا: بلى، قال: " فأي بلد هذا". قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " أليس البلدة". قلنا: بلى، قال: " فأي يوم هذا". قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس يوم النحر". قلنا: بلى، قال: " فإن دماءكم وأموالكم، - قال محمد: وأحسبه قال - وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ". فكان محمد إذا ذكره يقول: صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " ألا هل بلغت " مرتين ) اهـ .
وفي رواية الإمام أحمد عن أبي نضرة حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال : " يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال أي شهر هذا قالوا شهر حرام قال ثم قال أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب " اهـ .
عباد الله ندعو مخلصين اللهم وفقنا للاعتبار والعظة بما أخبرتنا في كتابك ، وبلغنا نبيك صلى الله عليه وسلم ، فألهمنا ربنا من القول سداده وأحسنه ، ومن الكلام أكرمه وأطيبه ، ومن العمل أخلصه وأصوبه ، بارك الله لي ولكم عباد الله في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم .. أقول قولي هكذا وأستغفر الله - العظيم الجليل - لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ إنه هو الغفور الرحيم .
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله فقد هدى وكفى ووقى ، والصلاة والسلام على محمد النبي المرتضى ، ما ذكر الله الذاكرون ، وشكره سبحانه الشاكرون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ..
عباد الله ، أيها المؤمنون:
حُقَّ للحجيج عظيمُ الثواب ، إنهم شفعاؤنا عند الله ، ووفدنا إليه ، والمزورُ يكرم زائره ، فقد روى النسائي وابن ماجة واللفظ له عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ " . 
الحج ذكرٌ ، وذكرى ، وشعائر ، ومشاعر ، وأمن ، وأمان ، ونستطيع أن نقول إنه الصورة العملية العظمى التي تتجلى فيها حكمة الشعيرة ، وانضباط الشعور ، وسماحة التشريع ، والحج والحجيج آمنٌ في إقباله وإدباره ، وسِرْبِهِ وسَرَبِه ، وحِلِّهِ وتِرْحَالِه ، بحمد الله لا زال حفظ الله تاماً ، وما برحت مننه سبحانه في تتابع ٍ وازدياد  ، تترى على البلد الحرام وأهله وسائر البلاد المجاورة ، بل ومن هناك تنتشر في أرجاء البلاد الإسلامية والعالم ، فالخيرات دارَّةٌ وافيةٌ وفيرة ، والبركاتُ قارَّةٌ ناميةٌ كثيرة ، والأمن مستتبٌ بسياج الإيمان ، والنظام والهدوء مستقرٌ بقرار الجماعة والاستنان ، فالقرآن والسنة والسنان قد اجتمعت كلها فعز السلطان ، فلك اللهم وحدك الحمد والمنة ، ثم الدعاء الخالص يا ربنا لولاة أمر المسلمين في بلادنا وسائر البلاد باستقرار الأمر ، وثبات العزم ، ونفاذ العزيمة ، وسداد الرأي ، ألا فلنتق الله إخوة الإسلام ، ولنعمل وفق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونهج السلف الصالحين ، ولنلزم الطاعة مع المسلمين ، ففيها البركة ، وفيها تقوى الفتن والمفتونين.
عباد الله ..فلتصلوا ولتسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم فصلِّ وسلم على محمد وآله الأكرمين ، وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم وفقه وجميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم- ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، اللهم اجمع شتاتنا ، ووحد صفنا ، واجبر كسرنا ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع