2019/08/23 {ندعو والحجيج شاكرين لربنا}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب . أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون : 
 
{ ندعو والحجيج شاكرين لربنا }
 
 ندعو والحجيج شاكرين لربنا ، إياك ربنا نعبد وإياك نستعين ، عهد بيننا وبين الله عز وجل ، فقد أتم لهم بعونه تعالى النسك بالحج إلى البيت الحرام ، وقد عادوا إلينا موفورين بفضله ذي الجلال والإكرام ، فله الحمد على المزيد من العطاء والإنعام ، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا العبادة خالصة لوجهه ، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فبفضل الله وبرحمته يفرح المؤمنون ، والحج يتطلع ويسعى إليه المتقون ، يبذلون أموالهم وينفقون ، ويتقدمون وفي الخيرات يسارعون ، أفئدتهم تهوي إلى بيت الله بما تهوى ، حباً في الله سبحانه ، وإيماناً برسوله صلى الله عليه وسلم ، فالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلى المسلم من أهله وماله وولده والناس أجمعين ، بل ومن نفسه التي بين جنبيه ، وفي الحديث الصحيح أخرجه البخاري من طريق عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك " ، فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الآن يا عمر " ) اهـ .
أيها المسلمون :
الحج إلى البيت العتيق خامس أركان الإسلام ، يتوج الأعمال كلها بالقبول والمغفرة ، فالحاج وفد الله وقد دعاه ، والمزور يكرم زائره ، وقد أخرج الإمام ابن حبان في صحيحه عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحَاجُّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمُعْتَمِرُ وفد الله، دعاهم فأجابوه" ، وفي رواية النسائي وابن ماجة واللفظ له عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ "  ، والحاج وقد فاز بالمغفرة فأصلحه الله ، ورضي عنه ، وقبل منه في نفسه وفيمن استغفر ودعا له من المسلمين ، روى ابن أبي شيبة في مصنفه قال : حدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ : ( يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ ، وَلِمَنَ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ ، بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمِ ، وَصَفَراً ، وَعَشْراً مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ) اهـ .. 
إخوة الإيمان والإسلام : 
 وعلامة الرضا من الله عن الحاج والقبول من العبد أنه يلهمه ذكره وشكره ، قولاً وعملا ، فيكون في عبادة وطاعة ، وينتقل منها إلى عبادة وطاعة ، يشغل قلبه بالفكر ، ولسانه بالذكر ، فإذا به يسمع المنادي إلى الصلاة فيقوم إليها ، فإذا صلى مع الجماعة استغفر ودعا ، ثم رجع إلى أهله فأمرهم أيضاً بالصلاة ، يترسم طريق نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال الله جل جلاله في سورة طه : { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) } ، والحاج يا عباد الله - وقد رجع من زيارته مولاه بحاجته - ففي وجدانه وشعوره الفضل العظيم ، فذلك من علامة القبول كما قال الإمام  أبو بكر بن أبي شيبة، في مصنفه : حدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ ابْنِ سُوقَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : ( مَا أَتَى هَذَا الْبَيْتَ طَالِبٌ حَاجَةً لِدِينٍ ، أَوْ دُنْيَا ، إِلاَّ رَجَعَ بِحَاجَتِهِ ) ، لذلك ندعو أيها المسلمون مخلصين ، ونرفع الأكف ضارعين ، اللهم ربنا وفقنا للاعتبار والعظة علماً وعملاً ، واسلك بنا سبيل المخبتين لك ، المطمئنين بذكرك ، العاملين لشكرك ، فألهمنا ربنا أن نقول القول السديد ، وأن نعمل الصالحات على صراط الحميد ، أقول قولي هكذا وأستغفر الله - العظيم الجليل - لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ إنه هو الغفور الرحيم .
 
الخطبة الثانية
الحمد لله أهل الحمد والثناء ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون :
ما أحرانا ونحن نستقبل إخواننا وأخواتنا حجاج بيت الله الحرام أن نستذكر هذه المعاني الكريمة فنقيم أنفسنا على مقتضاها ، وذلك مع إخلاص أنفسنا وكل شأننا لله وحده ، فهو المستحق لأن نعبده ولا نشرك به شيئا ، قال سبحانه في سورة الأنعام : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } ، ويحسن بنا في هذا المقام يا عباد الله ونحن أهل فلسطين والأقصى القبلة الأولى ومسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قلبنا النابض ما أحرانا ونحن نستقبل إخواننا وأخواتنا حجاج بيت الله الحرام أن نستشعر الصلة العظيمة بين المسجدين الحرام والأقصى ، إذ أن الله أحكم ربطها إلى يوم القيامة ، وأنزل فيها قرآناً يتلى في كل زمان ومكان فقال في سورة الإسراء:  {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) } ، اللهم فوفقنا لعبادتك وحدك لا شريك لك ، ولاتباع رسولك صلى الله عليه وسلم ، والرحمة بالعالمين ، واجعلنا من المقبولين ، حتى نلقاك وأنت راض عنا يا نعم المولى ويا نعم النصير . عباد الله ..فلتصلوا ولتسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم فصلِّ وسلم على محمد وآله الأكرمين ، وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم وفقه وجميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم- ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، اللهم اجمع شتاتنا ، ووحد صفنا ، واجبر كسرنا ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع