2020/01/17 {الإسلام دين الإنسانية}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)  }الأحزاب . أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، وبعد ، أيها المسلمون :
 
{الإسلام دين الإنسانية}
 
الناس بناء الله بناءٌ مكين ، يقوم على الفطرة السليمة الأساس المتين ، والإسلام وحي الله يرعي إنسانيتهم فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ويتدرج بهم في معارج الهداية ، ليكون الكمال الممكن الإنساني هو المطلوب ، ليكون أهلاً ليسكن جنات ونهر ، في الآخرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وهو في ذلك يقيم فيهم الآداب السائقة إلى الفضيلة ، وينزههم بنور الأحكام عن الرذيلة ، مما يجعلهم -المسلمين وغيرهم - يقبلون على العيش بنفوس راضية ، وقلوب مطمئنة ، حينما يتذوق غير المسلمين طمأنينة العيش بين المسلمين وكرامة الحياة ؛ تبدو لكثير منهم حلاوة الإيمان فيسلمون لله ، ويعلنون إيمانهم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، كما حصل في القرون السالفة ، وكما يحصل في كثير من البلاد المسلمة وغيرها هذه الأيام .
الناس في الإسلام يشعرون بالتساوي بينهم في الإنسانية بين الذكر والأنثى ، فقد قال تعالى في سورة النجم :{ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)} وكذلك بين الأعراق والأجناس والأديان المختلفة ، ومن ثم في الحقوق والواجبات المتعلقة ، اختياراً فلا إكراه ، وكرامة فلا استعباد ، وعدلاً فلا ظلم ، ليتحقق الهدف الأسمى للإنسان السوي الفطرة ، وهو السمو الروحي تعبداً لله عز وجل وحده لا شريك لله ، ومتى كان هذا كانت الكرامة قد تحققت فقد كرم الله بني آدم أجمعين كما قال سبحانه في آل عمران : {  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) }. ومن تأله على البشر وطغى وتجبر فقد ظلمهم وظلم نفسه ، وحينئذٍ فالإسلام يأبى ذلك ، فقد أخرج الإمام ابن جرير الطبري في تاريخه عن المغيرة بن شعبة وربعي بن عامر وحذيفة بن محصن قولهم لرستم قائد جيش الفرس : ( الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله منا؛ قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه، ومن أبى؛ قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر ) اهـ.
 أيها الناس يا عباد الله :
هذا المعنى العظيم قرره الإسلام ، وسعى المسلمون لتحقيقه ، قال الله تعالى في سورة النساء :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) }.‏
وفي قوله :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ }تذكير بالرباط الجامع (الإنسانية ) وتذكير بالعبودية الخالصة لله تعالى ، وفي قوله : { الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } تذكير بالعلاقة المتفرعة عن الأصل الجامع للناس فكلهم أبناء آدم وحواء ، فهم إخوة بعضهم لبعض ، وهذا يقتضي الشعور بالمساواة والعدل بينهم ، ثم ختم الله تعالى بقوله :{ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ليقرر هذا المعنى ولتتأكد هذه الحقيقة في الواقع الاجتماعي ، ولتتحول إلى سلوك وعمل وخلق يومي بين الناس ، يؤدي إلى استقرار المجتمع ورسوخه .
وفي حجة الوداع قرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك  فكان وصية منه لأمته ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَمَنْ شَهد خُطْبَةَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أوَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , قال : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 
" أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى ألا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ .. " .
أيها المسلمون يا عباد الله :
هذا هو البيان لا إبهام فيه ، والصريح ليس بالتلويح ، ولا عذر لمن يُعْرِض ، ولا حجة لمن يدبر ، فلنقبل على الله بفعل الخيرات ، واتباع السنن المرضيات ، ولنسع في الصلاح والإصلاح بالعمل الجاد ، اللهم وفقنا للعمل بكتابك ، وإحياء سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، والدعوة إلى سبيلك ، ونيل مرضاتك ، اللهم آمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه ،إنه هو الغفور الرحيم . 
الخطبة الثانية
الحمد لله على ما هدى وكفى ووقى ، فله سبحانه الفضل والمنة في الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على محمد النبي المرتضى ما ذكر الله الذاكرون ، وشكره سبحانه الشاكرون ، وعلى آله الأصفياء ، وأصحابه الأتقياء ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، إخوة الإسلام ، يا عباد الله :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحيا حياته الإنسانية في بيته وببين أصحابه رضي الله عنهم ، ومع الناس ، لنتأسى به ، ونعمل على  هدايته ، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " كان خلقه القرآن " ، ولذلك لم يعهدوا عليه صلى الله عليه وسلم إلا محاسن الأخلاق والأعمال ، وكريم الصفات والأفعال ، ها هو النبي صلى الله عليه وسلم في تواضعه ومعاونته أهله في بيته  ، روى الإمام البغوي في شرح السنة عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ " ، وروى البغوي كذلك عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ : قِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْها مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ " ،  وهاهو صلى الله عليه وسلم مع ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ففي الأدب المفرد للإمام البخاري ، وصححه الألباني رحمه الله ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: ( ..ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة". قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها قد أقبلت رحب بها، ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها، فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي صلى الله عليه وسلم رحبت به، ثم قامت إليه فأخذت بيده فقبلته. وأنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فرحب وقبلها، وأسر إليها، فبكت ! ثم أسرّ إليها، فضحكت! فقلت للنساء: إن كنت لأرى أن لهذه فضلاً على النساء، فإذا هي من النساء! بينما هي تبكي إذ هي تضحك! فسألتها: ما قال لك؟ قالت: إني إذاً لبَذِرة! فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: أسر إلي، فقال: " إني ميت"، فبكيت، ثم أسرّ إليّ. فقال: " إنك أول أهلي بي لحوقاً فسررت بذلك، وأعجبني "  ، هذا رسولنا النبي صلى الله عليه وسلم ، الأسوة الكريمة للإنسانية الكريمة ، وقد قال تعالى في سورة الأحزاب { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)  } والحمد لله على فضله .
عباد الله : ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وآله الطاهرين المطهرين ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – ، ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين ، واجعل بلدنا آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .ربنا إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، ونعوذ بك ربنا من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، وفق ربنا إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، واجمع به كلمتنا على كلمتك فهي العليا ، وارزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالخير وتحثه عليه ، وجنبه البطانة السيئة التي تأمره بالشر وتحثه عليه ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين من الأمراء والعلماء لإقامة الدين وعدم التفرق فيه ، وتحكيم شريعتك، واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، ربنا واحفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع