2020/01/31 {لا يستخفنكم المصفقتون فاتقوا الله وأبشروا}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71) }الأحزاب .
أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار،وبعد ، أيها المسلمون : { لا يستخفنكم المصفقتون ، فاتقوا الله وأبشروا ..}
أهل الإيمان يا أهل القبلة الأولى بيت المقدس والقبلة الآخرة البيت الحرام ،
يا أهل فلسطين
رئيسنا أيدك الله ياولي أمرنا فاثبت على الحق ،
ويا مرؤوسينا فلتصطفوا في صف الحق ، رعاة ورعية ،
من القلب المحب المنتمي لكم ، ومن خلال الكلمة الصادقة ، واللسان المعبر الذي يقول خيراً من فضل الله
أخاطب نفسي وأخاطبكم ،
وأخاطب المصفقتين جميعاً ..
أن اتقوا الله أيها الناس ،
يا أصحاب الحق فاثبتوا ،
ويا أصحاب الباطل فارجعوا ،
أصحاب الحق لا يستخفنكم الظالمون بصفقتهم ، واتقوا الله وأبشروا ، فإن العاقبة للمتقين ، تقدمكم الأنبياء عليهم السلام بمن آمن معهم من أقوامهم ، وكنتم الأمة التي هي آخر الأمم لكنكم خيرها ، شهد لكم الله عز وجل ، وشهد لكم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل ، ومن بعد شهد لكم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ،
فأبشروا أيتها الأمة ،أنتم الأمة التي دعا الله بها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين ، قال سبحانه في سورة البقرة : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(129)وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ(130)إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(132)} ،
ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان والبيهقي وغيرهم - واللفظ لأحمد - عن العرباض بن سارية السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بتأويل ذلك ، دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم " .
أيها المؤمنون ، يا أهل فلسطين :
إن لكم السناء والرفعة بين الأمم ، والظهور والغلبة عليها ، أورثكم الله النبوة والكتاب ، فلا نبي بعد نبيكم ، ولا كتاب بعد كتابكم ، وليس بعدكم أمة ، فالحمد لله على هذا الفضل الكبير ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا(46)وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا(47)وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}،
قال الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} : [هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه و سلم وللمؤمنين وتكريم لجميعهم] ،
وقال الإمام ابن كثير رحمه في تفسيره - تفسير القرآن العظيم- في هذا الموضع : [ ..قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن:
{ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا"..ثم قال : وقوله: { شاهدا } أي: لله بالوحدانية، وأنه لا إله غيره، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة،..وقوله: { ومبشرا ونذيرا } أي: بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب، ونذيرا للكافرين من وبيل العقاب.وقوله: { وداعيا إلى الله بإذنه } أي: داعيا للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك، { وسراجا منيرا } أي: وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق، كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يجحدها إلا معاند.وقوله: { ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم } أي: لا تطعهم و[لا] تسمع منهم في الذي يقولونه { ودع أذاهم } أي: اصفح وتجاوز عنهم، وكل أمرهم إلى الله، فإن فيه كفاية لهم؛ ولهذا قال: { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا }] اهـ .
أيها الناس يا عباد الله :
ونبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، وقد بشر برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم من بعده وسماه باسمه أحمد ،قال الله سبحانه في سورة الصف : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)} ، وهؤلاء الذين { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } ، افتروا هذا البهتان بعدما رأوا البينات من عيسى عليه السلام ، فلم يؤمنوا به من قبل ، ولم يؤمنوا بالنبي الذي بشر به من بعده ، هؤلاء رد الله عليهم وأبطل فريتهم ، وبشر بأنه سبحانه متم نوره ولو كره الكافرون المفرقون بين الأنبياء والرسل موسى ومن بعده عيسى ومن بعده محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، فقال سبحانه { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8)}.
يا عباد الله :
ندعو الله ربنا ، اللهم لك الحمد أنت أهل التقوى وأهل المغفرة ، أنت الرحيم فارحمنا، أنِت الغني ونحن الفقراء ، وأنت القوي ونحن الضعفاء ، وأنت العزيز ونحن الأذلاء ، أنت ربنا وحدك لا شريك لك ، إنك الغفور الرحيم .
 
الخطبة الثانية
 
الحمد لله ربنا كثيراً طيبا كما يليق لجلاله، وينبغي لكماله ،والصلاة والسلام على محمدٍ نبينا وآله وابلاً صيبا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ، أيها الناس ، يا عباد الله:
 
فهو سبحانه القائل في الآية التالية من السورة : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(9)}، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تيسير الكريم الرحمن :
(..ثم ذكر سبب الظهور والانتصار للدين الإسلامي، الحسي والمعنوي، فقال: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } أي: بالعلم النافع والعمل الصالح.بالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته، ويهدي لأحسن الأعمال والأخلاق، ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة.{ ودين الحق } أي: الدين الذي يدان به، ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق، لا نقص فيه، ولا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب والأرواح، وراحة الأبدان، وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد ، فما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، أكبر دليل وبرهان على صدقه، وهو برهان باق ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرا، ازداد به فرحا وتبصرا.{ ليظهره على الدين كله } أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان، فأما نفس الدين، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر، وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم، ويعرف هذا، من استقرأ الأحوال ونظر في أول المسلمين وآخرهم ) اهـ .
 
عباد الله .. ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :{إناللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. ألا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى ، والرسول المرتضى صفوة الخلائق أجمعين ، سيد الأولين والآخرين ، من بطاعته صلاحُ الدنيا وزكاةُ الدين ، محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنه وكرمه سبحانه إنه أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وانصر بفضلك عبادك المؤمنين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة ، وولي أمرنا في بلدنا خاصة ، اللهم أعنه على ما تحب وترضى ، وأيده بالحق والعدل ، وارزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالخير وتحثه عليه ، وجنبه البطانة الفاسدة التي تأمره بالشر وتحثه عليه ، اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، اللهم انا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتة الأعداء ، اللهم أغننا من الفقر واكسنا من العري واهدنا من الضلال وبصرنا من العمى واجعلنا من الراشدين ، اللهم انا نعوذ بك من الجبن والبَخَل والعجز والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاً لا يسمع ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وأجدادنا وجداتنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا وأقرباءنا وقريباتنا وجيراننا وجاراتنا والمسلمين أجمعين اللهم آمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع