2020/02/28 {ربنا الله الرحمن الرحيم}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(17) }الأحزاب ، أما بعد : فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، أيها المؤمنون ، يا عباد الله :
 
{ربنا الله الرحمن الرحيم}
 
الحمد رب العالمين ، سبحانه هو الرحمن الرحيم ، يرحم خلقه رحمة عامة ، يرحم الإنس والجن مؤمنهم وكافرهم ، ليقضوا مصالحهم ومنافعهم الدنيوية ، فقد خلق الله العوالم كلها ، عُلوِيَّها وسُفْلِيَّها ، ورزق بني آدم ، وحملهم في البر والبحر ، وسخر لهم الكون بما فيه من مقومات حياتهم الضرورية ، ومستلزمات متعتهم ورفاهيتهم الكمالية ، وذلك من آياته العظيمة على أنه رب العالمين المستحق لأن يعبد وحده ، فلا ند له ، إذ أنه وحده الخالق الذي خلق ، ووحده الرازق الذي رزق ، فلا شريك له ، لا في خلقه ولا في أمره ، قال الله تعالى في سورة البقرة : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) } ، وفي سورة الإسراء يقول جل جلاله :{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) } ، وتكريم بني آدم في محصل أقوال المفسرين أنه خلقهم في أحسن تقويم ، على الصورة الآدمية الإنسية ، ورزقهم العقل ، وبه التكليف ، ومنه حملهم في البر على الدواب ، وفي البحر في السفن ، وسخر لهم الحيوان مركوباً كالخيل والبغال والحمير ، ومأكولاً كالأنعام الإبل والبقر والغنم ، وأنواع الدواجن ، ورزقهم من الطيبات مفردة ومركبة ، مطعماً ومشربا ، وملبساً ، ومسكنا ، وسخر لهم ما في البر والبحر من الأشياء ، مفرداً على طبيعته ، ومجموعاً مركباً مصنوعاً ، بحيث جرى بههم على الأرض كالسيارات ، وفي البحر كالسفن ، وفي الجو كالطائرات ، ويخلق ما لا تعلمون ، والحمد لله رب العالمين .
ربنا الله الرحمن الرحيم ، ومن رحمته تعالى الهداةُ من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، والصالحون من المؤمنين من بعدهم ، يذكرونهم بالآخرة ، ويهدونهم سبيلها ، وآخرهم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ، الرحمة المهداة إلى العالمين ، وقد قال الله تعالى في حقه : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)}، ومما يدل على هذا المعنى الكريم خلق النبي صلى الله عليه وسلم العظيم ، وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه الحديث عن أبي حازم عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال: " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ".
أيها المؤمنون :
ربنا الله الرحمن الرحيم ، ذو رحمة واسعة ، أنزل منها جزءاً في الأرض ، في الدنيا بين الخلائق يتراحمون بها ، وأمسك تسعة وتسعين جزءاً رحمة لأوليائه المؤمنين يوم القيامة ، ففي سورة الأعراف قوله جل جلاله : { ..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) } ، فالرحمة الواسعة يوم القيامة للمؤمنين ، ولا سيما أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، روى الإمام البخاري في صحيحه واللفظ له ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ " ، و الحديث في المسند مرسلاً مرفوعاً عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المستدرك للحاكم بسنده: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ ، قَسَمَ رَحْمَةً بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَسِعَتْهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ ، وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ ، رَحْمَةً لِأَوْلِيَائِهِ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَابِضٌ تِلْكَ الرَّحْمَةَ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَى التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ ، فَيُكْمِلُهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ ، ويدل على خصوص الرحمة للمؤمنين يوم القيامة قوله تعالى في سورة التوبة :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) } ، ففي هذه الآية وعد الله المؤمنين والمؤمنات أنه سيرحمهم ، وفي الآية التالية أخبر بأن الجنة يوم القيامة هي مستقرهم ، فقال:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) }.
عباد الرحمن أيها المسلمون :
ربنا الله الرحمن الرحيم ، رحمنا فخلقنا ، ورحمنا فرزقنا ، ورحمنا فهدانا ، ورحمنا فيسرنا للعمل الصالح ، وهو الذي يتقبل منا برحمته ، وقد وعدنا الجنة ، فالرحمة التي هي الجنة وعد الرحمن وموعوده ، فضلاً على عباده ، روى البخاري في الصحيح عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ " قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " لاَ وَلاَ أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ " ، عباد الله فتراحموا ولا تزاحموا ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ، وقد روى البخاري في الصحيح ومسلم واللفظ له عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة " وقال ابن نمير: " من قلبك الرحمة " ، وفي رواية للبخاري في باب رَحْمَةِ الولَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا (جَالِسٌ) فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ : " مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ " ) اهـ .
عباد الله ..الله ربنا الرحمن الرحيم ، والراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، ومن لا يرحم لا يرحم ، والجزاء من جنس العمل ، ومن حكيم القيل : يكال لك بما تكيل ، فلنتراحم فيما بيننا ، ولنرحم الطير في الهواء ، والدواب على الأرض ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله في الدنيا والآخرة هو الرحمن الرحيم ، وأصلي على محمد وأسلم أطيب الصلاة وأزكى التسليم ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، الملك الفتاح السميع العليم ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، شهد له الله فقال :{ وإنك لعلى خلق عظيم } ، أما بعد ، أيها المسلمون :
ربنا الله الرحمن الرحيم ، نسب المؤمنين حقاً إلى اسمه الرحمن في القرآن فقال في سورة الفرقان : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) } ، ودعا العابدين ليكونوا من أصحاب الميمنة فقال عز وجل في سورة البلد :{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) } ، ولهذا كان سيدنا محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين أمنوا معه رضي الله عنهم رحماء بينهم ، وهم الراحمون أصحاب المرحمة بالقول وبالعمل ، ومن المرحمة الإعراض عن الجاهلين ، مع الأخذ بالعفو والأمر بالعرف ، كما أمر الله به بقوله في سورة الأعراف : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) }، والعرف ما تعارف عليه المسلمون ، وفي الموطأ للإمام مالك من رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني قال رحمه الله :
( .. أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري : أنه خرج مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : والله إني لأظنني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون فيها . يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله قال محمد : وبهذا كله نأخذ لا بأس بالصلاة في شهر رمضان أن يصلي الناس تطوعا بإمام لأن المسلمين قد أجمعوا على ذلك ورأوه حسنا وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح ) اهـ .
ومن الإعراض عن الجاهلين ، ما جاء أيضاً عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ- روى البخاري في الصحيح بسنده عن عَبْدِ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ فَقَالَ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ) أهـ .
فلنستقم على الطريقة السنة القائمة ، نهتدي بالقرآن للتي هي أقوم ، فما أجمع عليه المسلمون منذ السلف الأول إلى اليوم هو السبيل المحكم ، ولنجتنب السبل التي تفرقت بأهلها عن الصراط المستقيم ، فإن من استقام مستقره جنات النعيم ، ومن زل فإلى سواء الجحيم ، وعلى الله فلنتوكل ، وله فلنتعبد ونعمل ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
عباد الله ..هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، فقد أمركم سبحانه بذلك أمراً بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال في سورة الأحزاب :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الخطائين المخطئين ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يا -رب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، وارعه برعايتك أولياءك المتقين ، واشمله بنصرك وتأييدك السابقين الأولين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين ، وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة ، التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة ، التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ، برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع