2020/03/13 {الوباء من البلاء،وليس مثل العافية، ومن الله الشفاء}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(17) }الأحزاب ، أما بعد : فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد ، أيها الناس ، يا عباد الله :
 
{ الوباء من البلاء، وليس مثل العافية، ومن الله الشفاء}
 
شكر الله المنعم بشكران النعم ، وبه بقاؤها وازديادها ، وبكفران النعم كفر الله المنعم ، وبه نقصانها وزوالها ، وليس من النعم مثل العافية ، فالسلامة في العقل ؛ والصحة في الجسم ؛ نعمةٌ وأيُّ نعمة ، وقديماً قيل : العقل السليم في الجسم السليم ، والعافية والصحة في الجسم أعون على الدين والدنيا ، ولهذا فقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن نعمة الصحة ، وأخرج البخاري والترمذي في الحديث عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " نعمتان مَغْبُون فيهما كثير من الناس: الصحة ، والفراغ " ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها في كل ليلة ، روى الإمام أبو داود في سننه بسنده عَنْ جُبَيْرِ بْنِ أَبِى سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : (لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى وحين يصبح: " اللهم إنى أسألك العافية فى الدنيا والآخرة ، اللهم إنى أسألك العفو والعافية فى دينى ودنياى وأهلى ومالى ، اللهم استر عورتى " . وَقَالَ عُثْمَانُ : " عوراتى وآمن روعاتى ، اللهم احفظنى من بين يدى ومن خلفى ، وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتى" ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِى الْخَسْفَ ) اهـ  .
إخوة الإسلام :
ومن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم للصحة أنه كان يعلم أصحابه أن يدعو الله بالعفو والعافية ، روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن سلمة بن وردان المدني قال : سمعت أنس بن مالك قال : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ، أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا، والآخرة . ثم أتاه من الغد ، فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال:تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة . ثم أتاه اليوم الثالث ، فقال: يا رسول الله ، أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو ، والعافية ، في الدنيا والآخرة ، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ، ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت " ) اهـ ، وكذلك كان أصحابه رضوان الله عليهم ، والتابعون من بعدهم ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ( الصحة غَناءُ الجسد ) أخرجه ابن عساكر ، ولابن أبي الدنيا في كتاب الشكر قال: (حدثني قاسم بن هاشم أنه حدث عن سعيد بن عامر أو غيره من البصريين قال : جاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله ، فقال له يونس :أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم ؟! قال الرجل : لا ، قال :فبيديك مائة ألف ؟ قال الرجل :لا ، قال : فبرجليك ؟ قال الرجل :لا ، قال فذكره بنعم الله عليه ، وقال يونس:أرى عندك مئين ألوف وأنت تشكو الحاجة ) اهـ .  
أيها المؤمنون :
لذلك حرص الإسلام على المحافظة على سلامة العقول وصحة الأبدان ، فأمرنا بوقاية أجسامنا ، ونهىانا عن كل ما يضرنا ، فالمسلمون يأكلون ويشربون من الطيبات ، ويجتنبون الخبائث ، وأمر بالاعتدال في الطعام والشراب ، قال تعالى في سورة الأعراف :{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)  } ، وفي الحديث عند الترمذي واللفظ له ، والنسائي في سننه الكبرى ، وأحمد في المسند ، عن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال : سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :  " ما مَلأ آدميّ وعاء شَرّا من بَطْن ، بِحَسْب ابن آدم لُقَيْمَات يُقِمنَ صُلْبَه ، فإن كان لا مَحَالةَ : فَثُلُث لطَعَامِه ، وثُلث لشرابِهِ ، وثُلُث لنَفَسِه " ، والأمراض والأدواء من أسبابها الاختلال بالزيادة أو النقص في مقومات الحياة الثلاثة ، الطعام والشراب والنفس ، ولكن إذا وقع الداء فقد جاء الأمر بالدواء ، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال :  " إن الله أنْزَلَ الدَّاءَ والدَّوَاءَ ، وجعل لكلِّ داء دواءا ، فَتَدَاوَوْا ، ولا تَدَاوَوْا بحرام " أخرجه أبو داود . وفي رواية الإمام أحمد في مسنده بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" ، روى أبو حمزة نصر بن عمران قال : كنت أُجالِسُ ابنَ عباس بمكة، فَأخَذَتْني الحمَّى ، فقال : أبْرِدْها عنك بماءِ زمزمَ ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " إن الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء - أو قال : بماءِ زمزمَ " أخرجه البخاري .
عباد الله ، أيها المسلمون :
الصحة نعمة من نعم الله ، والمرض عرض يصيب ابن آدم ، لحكمة يعلمها الله ، حتى إن الأنبياء يمرضون ، ولكن الشافي هو الله ، ولهذا في سورة الشعراء قال إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو يدعو قومه إلى الله : {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) } .
إخوة الإيمان : طوبى لمن اهتدى وانتهج السبيل ، وأقام وجهه للدين حنيفا ، واتزن بالقسطاس المستقيم ، وعمل ودعا ومع المسلمين قال اللهم اهدني فيمن هديت ، فالله يستجيب له لا محالة في عباده الصالحين جعلنا الله وإياكم منهم ، وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيبا ، كما يليق بجلاله ، وينبغي لكماله ، والصلاة والسلام على محمد وابلاً صيبا وأصحابُه تابعون لآله ، وعلى من اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ، أيها الناس ، يا عباد الله:
أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : " إنْ كان في شيء من أدْوِيتكم خير ، ففي شَرْطَةِ محجم ، أو شَربةِ عسل ، أو لَذْعَة بنار توَافِقُ الدَّاء ، وما أُحِبُّ أن أكْتَويَ " ، ولكننا في هذه الأيام أصاب الداء العظيم الوباء الناس إلا من شاء الله ، وهو من البلاء ، لكن لا بد من التوقي ، ولا بد من التداوي ، وعلى حسب ما يوجه به أهل الأمر المختصون ، طبابة وإدارة ، وعلينا السمع وعلينا الطاعة ، فبهذا أرشدنا العقل ، وصح النقل ، ومن الله الشفاء ، فهو الشافي ، 
وفي هذا يا عباد الله فلنجتنب القيل والقال ، ولنحرص على التضرع إلى الله بالابتهال ،  وليس التواكل بل على الله الاتكال ، ولنقل خيراً أو لنصمت ، فليُسعِد النطق ليَسعَد بإذن الله وفضله الحال ، و( البلاء موكل بالمنطق ) قديماً قيل في الأمثال ، وعلينا مع الأخذ بالأسباب الجؤار إلى الله بالدعاء ، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " الحمَّى من فَيْح جهنم ، فأطْفِئُوها بالماء " وكان ابن عمر إذا أصابته حُمَّى يقول : " رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الرِّجزَ إنا مؤمنون ".أخرجه البخاري ومسلم.
عباد الله ..هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، فقد أمركم سبحانه بذلك أمراً بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال في سورة الأحزاب :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، ربنا اكشف عنا الرجز إنا مؤمنون ، ربنا اكشف عنا الرجز إنا مؤمنون ، ربنا اكشف عنا الرجز إنا مؤمنون ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الخطائين المخطئين ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم  وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يا -رب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، وارعه برعايتك أولياءك المتقين ، واشمله بنصرك وتأييدك السابقين الأولين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين ، وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة ، التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة  ، التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ، برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع