فصل لربك وانحر
ما أكرم هذا التوجيه الرباني إلى توحيد الله في عبادة النحر كما في عبادة الصلاة قبل النحر، فالعبادتان مرتبطتانِ فما إن ينتهي المسلم من صلاة العيد حتى يتوجه إلى الشكر العملي بالنحر مسمياً مكبراً لرب العالمين، مريقاً الدمَ : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر2) ،وقال الله تعالى مبيناً فضله في مشروعية الضحايا والهدايا؛ ووجوب تعظيمه سبحانه، : {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ}(الحج27) ، فما أعظم هذه المنة الربانية من الحنان المنان جل وعلا، فإنه ما شرع الشرائع، ولا أحكم الأحكام، ولا فصلها إلا لنكون من المتقين، تكبيراً له على ما هدانا، وشكراً له على ما أولانا، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، وإن من شكر الله على هذه النعمة التكبير، والتكبير التعظيم والتبجيل ، ومن تعظيم الله وتبجيله أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، والشكر يكون في القلب واللسان والجوارح كما قال الله تعالى { اعْمَلُوا آلَ دَاُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} (سبأ13) ، وقال سبحانه: { وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان12)، ومن شكر العمل في الضحايا والهدايا الأكل منها أولاً، ثم الإطعام ثانياً بتعاهد ذوي الرحم، والجيرة، ثم إطعام البؤساء والفقراء كما قال الله تعالى : {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج28).
فسبحان الذي سخر هذه البهائم العجماوات على ضخامة أجسامها كالبقر والإبل لهذا المخلوق الضعيف الإنسان، ليؤدي ما شرعه الله بشأنها في يومٍ عظيم وهو يوم النحر، وهنا نضع القلم لنتفكر سوياً ونأمل ملياً، فما الفائدة الإيمانية المعنوية ؟ . . . والجواب: عند ذوي الألباب :
ألم تعلم يا أخي: ويا أختي:أن الله قد أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده إسماعيل فامتثل كلاهما للأمر الوالد والولد فما كان إلا أن فدى الله إسماعيل عليه السلام بذبح عظيم، ففي ذلك طاعة الرب الحكيم بإزهاق الدم الكريم، إذا نادى المنادي يا خيل الله اركبي .
وإن من الفوائد الإيمانية الصلة بين المجتمع المسلم فلا يذبح أحدٌ إلا بعد ذبح الإمام، وقد جعل الإمام ليؤتم به، وهنا الحرص على الجماعة في العبادة .
وإن منها الإحساس أو الشعور بما يحس به الآخرون من الحرمان، وعندئذٍ يبادر أصحاب الميسرة إلى الإحسان إلى ذوي العسرة ( الفقراء والمساكين)، وهذا أيضاً امتثالاً لقوله سبحانه:{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران134).
نسأل الله العظيم الغني الكريم أن يتقبل منا ومنكم الذكر والشكر، والصلاة والنحر ، وسائر العمل، وجميع المسلمين.
نشر في المنهاج العدد السادس