2018/06/29 خطــبة الجمــعة {البيتُ الحرام، والبلدُ الأمين}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الأحزاب  ، أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد، عباد الله : 
 
{ البيتُ الحرام ، والبلدُ الأمين }
 
البيت الحرام الكعبة ، هو خير بيوت الله ، والبلد الأمين مكة ، هو خير بلاد الله ، اصطفاه سبحانه للإيمان موئلا ، وللتوحيد منزلا، وكساه الأمن حُلَلَا، والأمان ظُلَلَا، وسماه أم القُرَى، ورزق أهله كريم القِرَى ، وجعله فرداً في بابه ، وذكره في كتابه ، وجعل البيت فيه للمؤمنين قبلة ومنبرا ، وللحجيج مثابةً ومطهرا ، فسبحان الله على هداه ، وله الحمد على ما أولاه ، يخلق ما يشاء ويختار ، خصه من بين البلاد بالتحريم ، وفضله على غيره بمزيد من التكريم ، ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ يَذُقْ من العذاب الأليم ، فهو البلد الأمين ، والحصن المكين ، ومن دخله كان آمنا ، فالبيت الحرام في البلد الحرام ، حيث أسكن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم- من ذريته ، بواد غير ذي زرع ، لحكمة من الله مقدورة ، ورفعة عظيمةٍ مشهورة ، ودعا الله لها ولأهلها ، فأينس الوادي بعد أن كان مُوحِشا ، وأينع بعد أن كان قاحلا ، فجرى بالماء زمزم ، وتوطن الجمع العرمرم ، وكان أمر الله لإبراهيم وابنه إسماعيل فرفعا - صلى الله عليهما وسلم - القواعد من البيت ، فلله وحده الخلقُ وله الأمر ، عن حُكمٍ وحِكمةٍ واقتدار ، أنزل الوحي بذلك يتلى أناء الليل وأطراف النهار ، هدايةً وحجةً وللاعتبار ، يأتيه الحجيج من كل مكان ، لما فيه من عظيم الأجر ، فمن قصده بخير رفع له الذكر ، وحط عنه الوزر ،  فهم ضيفُ الرحمن ، يجبى إليهم ثمرات كل شيء ، فالله أكبر ، ما أعظم البيت والبلد ، إيماناً وأمنا ، وبراً ومهابة وحبا ، تهوي إليه الأفئدة ، من كل الفجاج والأصعدة، يبذلون الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، بالابتهال والتقديس ، والتسبيح والتحميد والتهليل ، لله سبحانه المولى العظيم الجليل . 
عباد الله أيها المؤمنون :
* البيت الحرام هو أول بيت وضعه للناس هدايةً وعبادةً وأمناً وبركة ، والحج فريضة الله على الناس من استطاع سبيلاً إليه ، قال تعالى في سورة آل عمران : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } . وقد جاءت السنة تؤكد ذلك ، فقد روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : (قلت يا رسول الله : أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ . قال: "  المسجد الحرام " ، قال : قلت ثم أي ؟ قال: " المسجد الأقصى " ، قلت: كم كان بينهما ؟ . قال: " أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل ، فإن الفضل فيه " أخرجه البخاري .
أيها المسلمون :
كان الأمر من الله لإبراهيم عليه السلام ليؤذن في الناس بالحج ، قال سبحانه وتعالى : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) }الحج   ، وقد حج إليه من قبلُ موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، روى الإمام البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد واللفظ للبخاري عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالَ : إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ : " أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي" ، وتتابع الناس بالحج إلى البيت ، فلما جاء الإسلام وبعث الله محمداً عليه السلام كان الحج أيضاً إلى البيت العتيق ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ( خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : " يا أيها الناس ، قد فرض عليكم الحج ، فحجوا ، فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، ثم قال : ذروني ما تركتكم ، ولو قلت: نعم لوجبت ، ولما استطعتم ، وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه». أخرجه مسلم ، والنسائي.
أيها المسلمون :
* اقترن الدعاء إلى عبادة الله وحده بأنه سبحانه رب البيت ، وقد أنعم على قريش من دون الناس بنعمتين عظيمتين هما من أعظم النعم ، فقد أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، قال تبارك وتعالى : { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) } . قال الإمام ابن كثير في التفسير : ( ..{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي : فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل:91 ، وقوله: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ } أي: هو رب البيت، وهو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص ،فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }النحل:112-113..) اهـ .
عباد الله ، فلنتضرع إلى الله بخالص الدعاء ، اللهم أعزنا بحولك وقوتك ، فإننا الضعفاء إلا بك ، والحقراء إلا منك ، وأنت العليم بنا ، نعوذ بك من شر الشيطان وشركه ،  ونجنا يا إلهنا من شر نفوسنا ، وشر كل ذي شر ، إنك سميع الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد من شكر ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للبشر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجيني وإياكم من سقر ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم رسولُه والتابعينَ الغُررِ وبعد ، عباد الله :
في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد أنه روى البخاري ومسلم وابن ماجة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:  " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا , خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ , إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنِّي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ , وَإِنَّ مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ  "  ، وهذا يدل على أنه يتعاظمُ ويتبارك الأجر والثواب في البيت الحرام ،  ولكننا نعلم أن للبيت الحرام وللبلد الأمين ما لهما من الفضل مقترناً بما لغيرهما ، ولا سيما المسجد الأقصى ، فقال في سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) } ، وقال في سورة التين: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)  }.  قال الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم : ( ..وقال بعض الأئمة: هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم ) اهـ. 
عباد الله ، ألا ولتصلوا ولتسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد ، وآله الأطهار ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، ربنا إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ، ربنا اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، ربنا اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، وجميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الدين والدنيا ، اللهم ربنا و احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، اللهم ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع