2018/08/17 {ذكرى أهل المكرمات في فضائل عرفات}
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب . أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون : 
 
{ ذكرى أهل المكرمات في فضائل عرفات}
 
أهل المكرمات هم الكرماء ، من يسعون لها ، ويبذلون ليحصلوها ، تدفعهم القوةٌ في الإرادة ، ويحدوهم صدقٌ في الطلب ، ويخلصهم صبرٌ على المشاق ، يرجون وجه الله عز وجل فهو الباقي ، تأسياً بمن سبقهم ، والتأسي يكون باهتدائهم إلى صراط الذين أنعم الله عليهم ، فهو الصراط المستقيم في الحقيقة ، ورحم الله القائل :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها .. وتصغر في عين العظيم العظائم
فلله أنتم وفد الله الحجيج إلى البيت المحرم ، وإن لعرفات مكاناً وزماناً فضله ، قال تعالى في سورة البقرة :{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) } .. قال القزويني في معجم مقاييس اللغة : [..وَأَمَّا عَرَفَاتُ فَقَالَ قَوْمٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - تَعَارَفَا بِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ. بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنَاسِكَ الْحَجِّ قَالَ لَهُ: أَعَرَفْتَ؟ وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَكَانٌ مُقَدَّسٌ مُعَظَّمٌ، كَأَنَّهُ قَدْ عُرِّفَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} ، محمد: ..6] .
أيها المسلمون :
يا من أقمتم في بلادكم عن عذر وعن قدر أنتم مرحومون ، برحمة الله يدرككم الفضل مع إخوانكم ، بصومكم يوم عرفة ، وهو له فضله من السنة ، ومتأكدٌ مستحبٌ لغير الحاج ، فلا يفوتنكم الفضل فيه ، ومن فضائل هذا اليوم المبارك :
1- يوم عرفة هو اليوم المشهود ، وفي قوله تعالى في سورة البروج : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) } ، روى الإمام أحمد والترمذي ونقله الألباني في الصحيحة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة ، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه ، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه الله منه " اهـ .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو يتجلى ، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء " .  رواه مسلم والنسائي وابن ماجه .
2- و فيه خير الدعاء لله ، بالإخلاص له بذكره وحده لا شريك له ، وهو من خير الأعمال الصالحات ، وقد صح من رواية الترمذي وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده  رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " .
3- و صوم يومه خير الصيام ، النافلة لا الفريضة ، ولغير الحاج ، وهو يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ، روى الإمام مسلم وأحمد واللفظ له عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة وصوم يوم عاشوراء كفارة سنة " .
4-  وفيه اغتياظ الشيطان بأشد ما يكون ذلاً وحقارة ، قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره الجامع : ( .. وفي الموطأ عن عبيد الله بن كريز [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر قيل : وما رأى يوم بدر يا رسول الله ؟ قال : أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة ] ) اهـ .
عباد الله :
 فلنتضرع إلى الله بخالص الدعاء ، اللهم أعزنا بحولك وقوتك ، فإننا الضعفاء إلا بك ، والحقراء إلا منك ، وأنت العليم بنا ، نعوذ بك من شر الشيطان وشركه ،  ونجنا يا إلهنا من شر نفوسنا ، وشر كل ذي شر ، إنك سميع الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
 
الخطبة الثانية
 
الحمد لله حمد من شكر ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للبشر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجيني وإياكم من سقر ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم رسولُه والتابعينَ الغُررِ وبعد ، عباد الله :
أيام العشر تنقضي فاحرصوا فيها على الأعمال الصالحات ، وهاهو قد أقبل يوم عرفة يوم الإثنين القادم ، ففيه الأجر مرتين ، مرة لأنه يوم عرفة ، ومرة لأنه يوم الإثنين ، فلا يفوتنكم صيامه ، مع الذكر والدعاء ، والاستغفار والصدقة ، والبر والصلة ، والعفو وحسن المعاشرة ، فبذلك يحصل التعاون على البر والتقوى ، وتنال الدرجات في الجنات ، وفي سنن أبي داود عَنِ الْحُرِّ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ) اهـ . قَالَ عَفَّانُ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ . و روى الإمام أبو داود عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 
 " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " اهـ .
و يا عباد الله :
فلتصلوا ولتسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم فصلِّ وسلم على محمد وآله الأكرمين ، وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم وفقه وجميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم- ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، اللهم اجمع شتاتنا ، ووحد صفنا ، واجبر كسرنا ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع