2018/10/12 {من أحكام الأسرة في الإسلام}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
اللهم لك الحمد ، أحمدك حمداً كثيراً طيبا مباركاً فيه ،كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، جل الله وحده لا نعبد إلا إياه ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، ختم النبوة ، وبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، وهدى السبيل ، وشفى الغليل ، وأوضح البرهان ، فاستيقن أهل الإيمان ، واستيأس أهل الكفران ، فسبحان من اصطفاه ، وبالرسالة دعاه ، ما توالى الليل فصل عليه اللهم وما تعاقب النهار ، وعلى آله الأطهار ، وصحبه الأخيار ، والتابعين لهم بإحسان ، أولي الفضل والعرفان ، ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى آخر الزمان ، وعنا معهم ربنا يا رحمن يا رحيم ، فاجعلنا يا الله في الدنيا من أهل تقواك ، وفي الآخرة من أهل رضاك ، طائعين لك أمرك ونداك ، قلت في كتابك وقولك الحق :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 ،فأمرتنا بالقول السديد ، ووعدتنا الوعد المتحقق الأكيد ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)  }الأحزاب ، اللهم فوفقنا ربنا لطاعتك فيما أمرت ، وتقبل بفضلك منا وأنجز لنا ما وعدت ، وبعد ، عباد الله ، أيها المسلمون :  
 
{ من أحكام  الأسرة في الإسلام}
 
الأسرة في الإسلام بناءٌ مقدس ، بابه النكاح المشروع وليس السفاح الممنوع ، تجمع بين الزوجين أولا ، ثم بين الوالدين و أبنائهما ثانيا ، و نصوص الكتاب والسنة ناطقة بذلك ، وهي تفيض بالأحكام المفصلة ، إحكاماً وحكمة ، إذ نشأت الأسرة بالعقد بكلمة الله بين الرجل والمرأة ابتداءً ، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين الله ما للزوجين من حق كلٌ منهما على الآخر ، وما للأولاد من طيب الرعاية وحسن التربية ، ودعا الله سبحانه وتعالى الزوجين إلى أن يتعاشرا بالمعروف ، وأمر الأبناء بالبر بوالديهما ، وهكذا حاط الإسلام الأسرة بسياج التقوى ، وبسط عيشها بكنف المعروف والإحسان والبر ، رغبة في الدار الآخرة ، وطمأنينة إلى ما عند الله تعالى .   
إخوة الإيمان:
نادى الله الناس نداءً كريماً  ، وهداهم أمراً حكيما ، فأمرهم بتقوى ربهم ، وذكرهم بأصل خلقتهم ، حينما تكونت الأسرة الإنسانية الأولى ، النفس الواحدة آدم ، ومن آدم خلق زوجه حواء ، وبث منهما الناس أجمعين الرجال والنساء ، فجميع الناس يرجعون إلى هذه الأسرة الإنسانية الأولى ، فكل الناس لآدم ، وآدم من تراب ، و في هذا النداء الكريم أمرهم مع تقوى الله عز وجل بتقوى الأرحام ، حفاظاً على الآصرة الإنسانية لئلا تنقطع ، فقال سبحانه في سورة النساء : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } ، قال الشيخ السعدي في تفسيره تيسير الكريم الرحمن : ( افتتح تعالى هذه السورة بالأمر بتقواه ، والحث على عبادته ، والأمر بصلة الأرحام ، والحث على ذلك ، وبين السبب الداعي الموجب لكل من ذلك، وأن الموجب لتقواه أن { ربكم الذي خلقكم } ورزقكم ، ورباكم بنعمه العظيمة ، التي من جملتها خلقكم { من نفس واحدة وخلق منها زوجها } ليناسبها ، فيسكن إليها ، وتتم بذلك النعمة ، ويحصل به السرور - ثم قال - وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة ، وأنه بثهم في أقطار الأرض، مع رجوعهم إلى أصل واحد -ليعطف بعضهم على بعض ، ويرقق بعضهم على بعض. وقرن الأمر بتقواه بالأمر ببر الأرحام والنهي عن قطيعتها ، ليؤكد هذا الحق ، وأنه كما يلزم القيام بحق الله ، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق ، خصوصا الأقربين منهم ، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر به ، وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالأمر بالتقوى ، وصلة الأرحام والأزواج عموما ، ثم بعد ذلك فصل هذه الأمور أتم تفصيل ، من أول السورة إلى آخرها. فكأنها مبنية على هذه الأمور المذكورة، مفصلة لما أجمل منها ، موضحة لما أبهم ، وفي قوله: { وخلق منها زوجها } تنبيه على مراعاة حق الأزواج والزوجات والقيام به ، لكون الزوجات مخلوقات من الأزواج ، فبينهم وبينهن أقرب نسب وأشد اتصال ، وأقرب علاقة ) اهـ .
أيها المسلمون :
شرع الله من أحكام الأسرة ما يقيم البناء ، كالمعاشرة بالمعروف ، فقال سبحانه في سورة النساء :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) } ، إذ أنه  جل جلاله ركز في أصل الخلق المودة والرحمة بين الزوجين ، قال تعالى في سورة الروم : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) } ، لكنه جل وعلا شرع القوامة حقاً للرجل ، وجعل في المقابل عليه السكنى وأوجب النفقة في المطعم والملبس ، ونحو ذلك ، فقال تعالى في سورة النساء : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ  } .
وشرع الله من أحكام الأسرة ما بين الأبوة والبنوة من الحقوق والواجبات ، إذ حث الأبناء على طاعة الوالدين والبر بهما ، فقال سبحانه في الإسراء : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) } ، وروى الإمام مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله ، قال : " فهل من والديك أحد حي ؟ " قال : نعم ، بل كلاهما . قال : " فتبتغى الأجر من الله ؟! " ، قال : نعم . قال " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما " .
 إخوة الإسلام والإيمان:
ومن أحكام الأسرة الشرعية ما يمنع من انهيارها وهدمها ،كتحريم وتجريم العلاقات الأثيمة ، خارج الزوجية ، والمنع مما يردي إليها ، فالزنا فاحشة وكبيرة من الكبائر ، ومما يؤدي إليه الخلوة بين الرجل والمرأة ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟! قال: الحمو الموت " ، والحمو يا عباد الله قريب الزوج أخوه أو ابن عمه .
ومنع النبي صلى الله عليه وسلم النظرة المحرمة ،  فالنظر بريد الزنا ، فعن بريدة - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي : " يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الثانية ". أخرجه الترمذي، وأبو داود.
و نهى الله تعالى عن خضوع النساء بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ، ومن أحكام للأسرة ما يعني بالحفاظ على العلاقات بين أفرادها ، ففيما بين الزوجين مثلاً ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكره الزوج الزوجة ، فقد روى مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا ، رضي منها آخر" . ندعو الله ربنا - يا عباد الله - :
اللهم أعنا بذكرك على شكرك ، وبطاعتك على ترك معصيتك ، وبالتذلل إليك على العزة بك ، وعلى القرب منك بالقرب من ضعفاء عبادك ، وعلى السعي للآخرة بالزهد في الأولى ، اللهم ارزقنا حلاوة مناجاتك ، وأذقتا ربنا لذة عباداتك ..إنك سميع الدعاء .
 
 
 
 
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كافياً وافياً بكلِّ لسان ، يكافي بالشكر ما أكرم وأنعم ، ويوافي بالذكر ما أسبغ وأتمم ، والصلاة والسلام على النبي محمدٍ ، ما ذكر الله الذاكرون ، وشكره سبحانه الشاكرون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد ، أيها المسلمون :
وشرع الله من أحكام الأسرة ما يتعلق بالأُخُوَّة ، بين الإخوة والأخوات ، رجالاً ونساءً ، فينمي الود ، ويثري الوصل ، ويمنع من الكراهية أو البغض ، ويدعو إلى الرضى ، والاحتمال والصبر ، فيزهد في الدنيا الفانية وقليل متاعها ، ويذكر ويرغب بالآخرة الباقية وعظيم ثوابها ، فيوجب البر والصلة ، ويحرم الهجر  والقطيعة ، فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : قال : «اشتكى أبو الرداد الليثي ، فعاده عبد الرحمن بن عوف ، فقال : خيرهم وأوصلهم - ما علمت - أبو محمد، فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : " قال الله عز وجل : أنا الله ، وأنا الرحمن ، خلقت الرحم ، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها - قطعته- أو قال : بتته" ، أخرجه الترمذي، وأبو داود ،  وروى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن ، واتقى الله فيهن ، فله الجنة" ، وفي أخرى قال : " لا يكون لأحدكم ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة. أخرجه الترمذي ، وفي رواية أبي داود قال : " من عال ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو أختين ، أو ابنتين ، فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن ، فله الجنة ".
عباد الله : 
هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم  وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وإخواننا وأخواتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يارب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ،برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع