2019/04/19 {حق التقوى المسابقة والمسارعة إلى الطاعات}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب . أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله ، أيها المؤمنون : 
 
{ حق التقوى المسابقة والمسارعة إلى الطاعات}
 
الحياة الدنيا ميدان الأعمال ، وهي كذلك مضمار العاملين ، وأما الآخرة ففيها الميزان ، وفيها الثواب للفائزين ، والعقاب للخاسرين ، والمؤمن المتقي لم تشغله الفانية ؛ بل هو طالبٌ بها الدار الباقية ، وممتثلٌ قول الله عز وجل في سورة القصص: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} ، لذلك يا عباد الله نجد أن حق التقوى أن يذكر الله فلا ينسى ، ويطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، قال الله تعالى في سورة الحشر : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)  } ، فالمؤمنون المتقون يتسابقون فيما بينهم إلى الطاعة قبل الفَوَات ، وهذا من فضل الله عليهم أن أحبهم وألهمهم تقواهم ، وقد أخرج أبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: " أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق ، ووافق ذلك مني مالا ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر - إن سبقته - قال : فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال : يا أبا بكر ، ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله، قلت : لا أسبقه إلى شيء أبدا " . 
أيها المسلمون :
وفي المسارعة إلى الخيرات والسبق لها قول الله جل جلاله في سورة المؤمنون : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ  (61)} ، قال الإمام عبد الرحمن السعدي  رحمه الله في تفسيره :  ( { والذين يؤتون ما آتوا } أي: يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك، { و } مع هذا { قلوبهم وجلة } أي: خائفة { أنهم إلى ربهم راجعون } أي: خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات. { أولئك يسارعون في الخيرات } أي: في ميدان التسارع في أفعال الخير، همهم ما يقربهم إلى الله، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه، فكل خير سمعوا به، أو سنحت لهم الفرصة إليه، انتهزوه وبادروه، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه، أمامهم، ويمنة، ويسرة، يسارعون في كل خير، وينافسون في الزلفى عند ربهم، فنافسوهم ) اهـ  
عباد الله أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله جل وعلا ، المحمود على كل حال ، والصلاة والسلام على نبيه محمد كريم الحسب والصحب والآل ، وعلى أهل بيته وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم المآل ، وأشهد أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ، أيها المسلمون : 
المتقون كذلك يسارعون إلى مرضاة مولاهم عند الممات ، طائعين لندائه الكريم في سورة آل عمران:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، ومن محبة الله لعباده أهل التقوى  أن يستعملهم قبل مماتهم ويوفقهم للعمل الصالح فيقبضهم عليه ، ويختم لهم به بين الناس ، وقد روى الإمام أحمد في المسند عن عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل وما استعمله قال يفتح له عمل صالح بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله " اهـ . ، وفي غزوة بدر جاء صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال : " بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان ، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قال: لا أدري، ما استثنى بعض نسائه... قال : فحدثه الحديث، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتكلم ، فقال : إن لنا طلبة ، فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة ، فقال : لا ، إلا من كان ظهره حاضرا ،فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر ، وجاء المشركون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا أوذنه ، فدنا المشركون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله ، جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : نعم ، قال : بخ بخ يا رسول الله ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ما يحملك على قولك : بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله ، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال : فإنك من أهلها قال : فاخترج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، قال : فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ". أخرجه مسلم.
  عباد الله :
هذا الهدى فلنلزم ، والصراط المستقيم فلنوقن ،  والسبيل فلنعمل ، ألا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى ، والرسول المرتضى صفوة الخلائق أجمعين ، سيد الأولين والآخرين ، من بطاعته صلاحُ الدنيا وزكاةُ الدين ، محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنه وكرمه سبحانه إنه أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وانصر بفضلك عبادك المؤمنين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة ، وولي أمرنا في بلدنا خاصة ، اللهم أعنه على ما تحب وترضى ، وأيده بالحق والعدل ، وارزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالخير وتحثه عليه ، وجنبه البطانة الفاسدة التي تأمره بالشر وتحثه عليه ، اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، اللهم انا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتة الأعداء ، اللهم أغننا من الفقر واكسنا من العري واهدنا من الضلال وبصرنا من العمى واجعلنا من الراشدين ، اللهم انا نعوذ بك من الجبن والبَخَل والعجز والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع  وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاً لا يسمع ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وأجدادنا وجداتنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا وأقرباءنا وقريباتنا وجيراننا وجاراتنا والمسلمين أجمعين اللهم آمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع