2019/07/05 {مضى رمضان بالصيام، وأقبل بعده الحج}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)  }الأحزاب .أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، وبعد ، عباد الله ، يا أيها المسلمون: 
 
{مضى رمضان بالصيام ، وأقبل بعده الحج}
 
سبحان الله العليم الحكيم ، الخبير القدير ، وهو جل وعلا يختص من يشاء وما يشاء من خلقه بما ومن يشاء ، فهو تعالى جدُّه اللطيف لما يشاء ، خلق فأبدع ، وصوَّر فنوَّع ، وقدر فهدى ، أخرج المرعى ، فجعله غثاء أحوى ، والأرض وضعها للأنام ، منها ما جعله سهلا فمده ، وجبلا فشده ، وبحراً فأحصاه ، ونَهَراً فأجراه ، فسلكت الخلائق سبلها ، والجن والإنس برب العالمين سبحانه بين مؤمن وكافر ، وفق ما أمر الله فأبرم ، ونهى فأحكم ، ألا له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين ،  فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ، وأما من كفر فأولئك كانوا لجهنم حطبا ، والمسلم من وحد الله عزوجل ،  وصلى ، وزكى ، وصام ، وها هو قد مضى رمضان بالصيام ، وأقبلت بالحج الأشهر المعلومات ، وجعل الله الكعبة البيت الحرام في مكة البلد الحرام ، بواد غير ذي زرع ، فأينس الوادي بعد أن كان مُوحِشا ، وأينع بعد أن كان قاحلا ، فجرى بالماء زمزم ، وتوطن الجمع العرمرم ، وأسكنها إبراهيم من ذريته صلى الله عليه وسلم ، ودعا الله لها ولأهلها ، ورفع وابنُه بالبناء الكعبة بيت الله الأعظم ، فجعله الله للناس قبلة ومحجا ، وبركة وطهرا ، وعبادة وذكرا ، ومن دخله كان آمنا ، يأتيه الحجيج من كل مكان ،  يجبى إليهم ثمرات كل شيء ، الله أكبر ، إيماناً وأمنا ، وبراً ومهابة وحبا ، تهوي إليه الأفئدة ، من كل الفجاج والأصعدة ، يبذلون الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، بالابتهال والتقديس ، والتسبيح والتحميد والتهليل لله رب العالمين . 
عباد الله ، أيها المؤمنون : 
  نسب الله البيت الحرام إليه ، ودعا إلى عبادته سبحانه وحده ، فقال تعالى : { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) } . قال الإمام ابن كثير في التفسير : ( { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي : فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل:91 ، وقوله: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ } أي: هو رب البيت، وهو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص ،فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }النحل:112-113.  
أيها المسلمون : 
وأما ما قال تعالى في سورة آل عمران : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) }. والآية الكريمة تذكر من خصائص البيت جملةً خمسَ خصائص ، وهي أنه أول بيت وضعه الله للناس ، وأنه مبارك وهدى للعالمين ، وأن فيه آيات بينات مقام إبراهيم عليه السلام ، وأن من دخله كان آمناً ، وأن الحج إليه فريضة على الناس من استطاع إليه سبيلا ، وبعض العلماء استدل بهذه الآية على أن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى البيت العتيق ، ولم يبن قبله ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله : ( واستدل به كثير ممن قال: " إن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى البيت العتيق ، وأنه لم يبن قبله " ، كما ثبت في الصحيح عن أبي ذر ( قلت : يا رسول الله، أي مسجد وُضعَ أول ؟ قال:"المسجد الحرام". قلت : ثم أي ؟ قال : "بيت المقدس" . قلت كم بينهما؟ قال : "أربعون سنة" ) . 
وقد حج إليه من قبلُ موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، روى الإمام البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد واللفظ للبخاري عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ : " أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي" .
* وكان الأذان بالحج من إبراهيم عليه السلام للناس بالحج ، قال سبحانه وتعالى : 
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) }الحج  . 
عباد الله : من أقبلَ على الله أقبل الله عليه ، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه ، فعلى الله توكلوا ، وله أخلصوا ، فالقبول بالإقبال على عباد الله ، ولنصلح ذات بيننا ، طائعين لله سبحانه فبذلك صلاح الأحوال ، وقبول الأعمال ، ولنرفع أكف الضراعة بالابتهال ، اللهم فرج عنا الكروب يا علام الغيوب ، وارفع عظيم البلايا بجليل العطايا ، اللهم و اغفر لنا الذنوب والعيوب والآثام و الخطايا ، وأكرمنا لتدخلنا الجنة دار السلام ، أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد من شكر ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للبشر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجيني وإياكم من سقر ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم والتابعينَ الغُررِ وبعد ، عباد الله :
الله سبحانه وحده المستحق للعبادة سواءً عبادة القلب وعبادة الجوارح ، التي هي التصديق العملي لكلمة التوحيد ، والحج هو منهاجٌ عمليٌّ للعبودية الكاملة لله عز وجل ، وذلك لما يتملك قلب الحاج من الإخباتُ والإنابةُ والتوكلُ، وصدق اللُّجْئ ، حيث ينفرد الحاج عن أهله وولده ، ويخرج من ماله وبلده ، أشعثَ أغبرَ ، محرماً ملبياً  الأمر الجليل ( وأذن في الناس بالحج ) ،  ولهذا ترى الحاج مقبلاً بقلبه وقالَبه على ربه متعلقاً بتلك الديار ، ففيها البيتُ والحرم ، وفيها المسعى وزمزم ، وفيها الركن والمقام ، وفيها المشعر الحرام ، وكذلك فيها الموقفُ وعرفات ، وأما منى ففيها المنحرُ والمبيتُ والأكل والشربُ ثم َّالبعال ، وبهذا يتم للحاج كريم المنالُ لعزيز النوال ، في أيامٍ معدودات ، وليالٍ شريفات ، فَحُقَّ للمُشَمِّرِ بالاستعداد للحج تشميرُه ، ووجب لمن لها فسها على أخيه تذكيرُه ، فإن المؤمن بأخيه سعيدٌ وقوي ، وهو وحده ضعيفٌ وشقي ، وفيما صح من الحديث عن أبي موسى الأشعري عند البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ " ، ومصداقه قول العظيم الجليل سبحانه في سورة العصر العظيمة الجليلة : { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } . ويحسن بنا في هذا المقام يا عباد الله ونحن أهل فلسطين والأقصى القبلة الأولى ومسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قلبنا النابض أن أن نؤكد الصلة بين المسجدين الحرام والأقصى ، لنستديم الوصل بين القبلتين ، ونذكر العرب والمسلمين بواجبهم المقدس ، مالم تتحرر قبلتهم الأولى وتتطهر من دنس المحتلين ، إذ أن الله ربطها إلى يوم القيامة ، وأنزل فيها قرآناً يتلى فقال في سورة الإسراء:  {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) }
عباد الله : ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك ياأرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءًً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك. 

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع