2019/07/12 {الدين القيم، فليعبدوا رب هذا البيت!}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 ،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الأحزاب . أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد أيها المسلمون ، يا عباد الله :
 
{الدين القيم ، فليعبدوا رب هذا البيت!}
 
آية الإيمان بالله حقاً الإخلاص لله رب العالمين ، وهو جل شأنه رب البيت المعظم ،  فالدين القيم من الله أمرا ، ولله تعبداً ، وللخلق معاملة ، بالعبادة الخالصة للحق والمعاملة الحسنة للخلق ،  ابتغاء مرضاة الله عز وجل ، أنزله جل وعلا ، وأمر سبحانه به عباده فقال: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) } ، وجعل الله لذلك البيت الحرام مثابة للناس وأمنا ، قال الله تعالى : { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) }، فليعبدوا رب هذا البيت ، نعم .. إن الله وحده هو المستحق للعبادة – سبحانه- لأنه هو الذي خلقهم ، وهو الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، وهاتان النعمتان العظيمتان نعمة الغذاء ونعمة الأمن هما من أعظم النعم على العباد ، وكلُّ واحدةٍ منهما مرتبطةٌ بالأخرى ؛ فلا غذاء بلا أمن ، ولا أمن كذلك بلا غذاء ..ومن هنا كان المصطلح ( الأمن الغذائي ) ، روى الإمام البيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
"فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم ، وأن النبوة فيهم ، والحجابة ، والسقاية فيهم ، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله ، عز وجل، عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن" ثم تلاها رسول الله: بسم الله الرحمن الرحيم " لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " . 
إخوة الإسلام أيها العباد المؤمنون : 
فليعبدوا رب هذا البيت ، أي بيتٍ يا عباد الله ؟! ..إنه بيت الله الحرام ، بمكة البلد الحرام الآمن ، والعرب على شركهم كانوا يعظمون البيت الحرام والبلد الحرام مكة ، فقد كانت لديهم بقايا من دين إبراهيم الخليل عليه السلام ، فكانوا يعظمون البيت على وفق أهوائهم وبدعهم ، وقد كان المشركون - يا عباد الله - يصلون عند البيت ، قال سبحانه في سورة الأنفال : {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)} ، قال الإمام السعدي في ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ) مبيناً تلك الصلاة :  ( ..أي: صفيرا وتصفيقا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها،فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟ " اهـ . 
وأما حجهم ، قال الإمام السيوطي في الدر المنثور : ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك لا شريك لك لبيك . فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : قد ، قد . ويقولون : لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك  ) . 
أيها المسلمون : 
ورغم ذلك الشرك من أهله حول البيت فإن الله أقام لهم آيتين تدلان على جليل العناية بهم مع عظيم الجناية منهم ، أولاهما كان البيت الحرام حرماً آمناً ، بينما يُتَخَطَّفُ الناسُ من حولهم ، ثانيتهما كانوا بوادٍ غير ذي زرع ولكن يجبى إليه ثمرات كل شيء ، مصداق ذلك ما قال تعالى في سورة القصص : {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) } ـ  وهذا إنما هو استجابةٌ من الله سبحانه لدعوة النبي الكريم أبينا إبراهيم الخليل على نبينا محمدٍ وعليه الصلاة والسلام وعلى الآل والصحب أجمعين ، قال عز من قائل في سورة البقرة : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}، فلما أشركوا بعبادة الله سبحانه فعبدوا الأصنام والأوثان مع الله جل وعلا ، بعث الله إليهم محمداً صلى الله  عليه وسلم فأقام لهم الحجة الدامغة ، فأسرع السعداء من الناس إلى الاستجابة للحق ونبذ الشرك ، روى الإمام الترمذي في السنن من طريق الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي : " يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟! " قَالَ أَبِي: سَبْعَةً سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ ،قَالَ : " فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ " ، قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ . قَالَ : " يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ " قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ : "قُلْ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي " . 
عباد الله : أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم ، اللهم فأعزنا بحولك وقوتك ، وانصرنا بنصرك العزيز ، فإننا الضعفاء إلا بك ، والحقراء إلا منك ، وأنت العليم بنا ،نعوذ بك من شر الشيطان وشركه ،  ونجنا يا إلهنا من شر نفوسنا وشر كل ذي شر إنك سميع الدعاء ، آمين يا رب العالمين . 
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يكافي نعمه ، ويوافي مزيده ، والصلاة والسلام على نبيه محمد ، وعلى آله السعداء ، وأصحابه الأوفياء ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم اللقاء والجزاء ، وعنا معهم بفضلك رب كل شيء ورب الأرض والسماء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، أيها المؤمنون يا إخوة الإسلام : 
نعم الدين القيم لله تعبداً خالصا ، وللخلق معاملة حسنة ، ابتغاء مرضاة الله عز وجل ، ففي سورة فصلت قوله تعلى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35)} . قال الإمام السيوطي في الدر المنثور : 
( وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { وما يلقاها إلا الذين صبروا } قال : والله لا يصيبها صاحبها حتى يكظم غيظاً ، ويصفح عن بعض ما يكره .وأخرج ابن المنذر عن أنس رضي الله عنه في قوله { وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } قال : الرجل يشتمه أخوه فيقول إن كنت صادقاً يغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً يغفر الله لك . والله أعلم ) اهـ ، فلنتق الله إخوة الإسلام ، ولنعمل وفق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونهج السلف الصالحين ،  مع  المسلمين على الصراط المستقيم ولنلزم طاعة أولى الأمر من الأمراء والعلماء ، ولنتق الفتن والمفتونين لنسعد في الدارين ، اللهم آمين  ، ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال : {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك ياأرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءًً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع