2020/03/06 {لا إله إلا الله ربنا كاشف الكرب}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(17) }الأحزاب ، أما بعد : فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، أيها المؤمنون ، يا عباد الله :
 
{لا إله إلا الله ربنا كاشف الكرب}
 
الله ربنا رب العالمين ، سبحانه لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، يرحم خلقه ، فيغفر ذوبهم ، ويستر عيوبهم ، ويكشف كروبهم ، ويسمع دعاءهم ، ويستجيب نداءهم ، يتضرعون إليه ، ويتوكلون عليه ، يعملون بأمره ، وهو العليم الحكيم ، القريب المجيب ، عندما يفرحون بالنعم أشراً وبطرا يبتليهم بالبأساء والضراء ، لعلهم يستغفرون ، قال في سورة الأنعام : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) } ، وفي سورة النمل يقول جل جلاله :{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) } ، قال الإمام أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير في تفسيره القرآن العظيم : ( .. نبه تعالى أنه هو المدعُوّ عند الشدائد، المرجُوّ عند النوازل ، كما قال: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [الإسراء: 67]، وقال تعالى: { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل: 53]. وهكذا قال هاهنا: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } أي: مَنْ هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه ، قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وُهَيْب، حدثنا خالد الحَذّاء، عن أبي تميمة الهُجَيْمي، عن رجل من بلهجيم قال: قلت: يا رسول الله إلام تدعو؟ قال: "أدعو إلى الله وحده، الذي إن مَسّك ضر فدعوته كشف عنك ، والذي إن أضْلَلْت بأرض قَفْر فدعوتَه رَدّ عليك، والذي إن أصابتك سَنة فدعوتَه أنبتَ لك". قال: قلت: أوصني. قال: "لا تَسُبَّنَّ أحدًا ، ولا تَزْهَدنّ في المعروف ، ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ، ولو أن تُفرغَ من دَلوك في إناء المستقي ، واتزر إلى نصف الساق ، فإن أبيت فإلى الكعبين ، وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة، وإن الله -تبارك تعالى -لا يحب المخيلة " ) اهـ ، وقال في الموضع نفسه : ( .. عن عبيد الله بن أبي صالح قال: دخل عليَّ طاوس يعودني ، فقلت له: ادع الله لي يا أبا عبد الرحمن. فقال: ادع لنفسك، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه . قال: وقال وهب بن منبه: قرأت في الكتاب الأول: إن الله يقول: بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السموات ومن فيهن ، والأرض بمن فيها ، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجًا ، ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض ، فأجعله في الهواء ، فأكله إلى نفسه ) اهــ.
أيها المسلمون :
أصبح الناس من حولنا قد أصابهم البلاء العظيم العام ، وهذا يدفع الخلائق إلى التداوي ما استطاعوا إلى الدواء سبيلا ، فالله منزل البلاء لكنه خلق الداء وجعل له الدواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، هكذا أمرنا صلى الله عليه وسلم ، وعلى الناس أن يتضرعوا إلى بارئهم ليكشف عنهم ما أصابهم ، وهو سبحانه السميع  لهم ، العليم بهم ، ثم علينا أن نعمل بتوجيهات المختصين من أهل الطبابة وذوي الشأن ، ولا نلتفت إلى القيل والقال ، وقد روى البخاري ومسلم وهو عند الإمام مالك وأبي داود - عن عبد اللَّه عباس -رضي اللَّه عنهما - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه - خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بَسرْغَ لَقِيَهُ أُمَراءُ الأجْنَادِ - أبو عبيدة ابن الجراح وأصحابه - فأخبروه أن الوَبَاءَ قد وقع بالشام ، قال ابن عباس : فقال عمر:  ( ادْعُ لى المهاجرين الأولَّين ، فدعوتهم ، فاستشارهم ، وأَخبر أن الوباءَ قد وقع بالشام ، فاختلفوا ، فقال بعضهم : خرجَتَ لأمرِ ، ولا نرى أن ترجعَ عنه ، وقال بعضهم : معكَ بقيَّةُ الناس وأصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولا نرى أن تُقدِمَهم على الوَباء. فقال : ارْتَفِعُوا عنِّي ، ثم قال : ادْعُ [لي] الأنصار ، فدعوتهم، فاستشارهم ، فسلكوا سبيل المهاجرين ، واختلفوا كاختلافهم. فقال : ارتفعوا عني. ثم قال : ادْعُ لي مَن كان ها هنا من مَشيخة قريش من مُهَاجِرَة الفَتح ، فدعوتهم، فلم يختلف عنه منهم رجلان ، فقالوا : نرى أن ترجع بالناس، ولا تُقْدمِهَم على هذا الوباء ، فنادى عمر في الناس : إني مُصْبِحُ على ظَهر، فأصْبِحوا عليه ، فقال أبو عُبَيْدَة بنُ الجراج : أَفِرارا من قَدَرِ اللَّه؟ فقال عمر : لو غيرُك قالها أبو عُبَيْدَة ؟ - وكان عمر يكره خلافَه - نعم نَفِرُّ من قَدَرِ اللَّه إلى قَدَرِ اللَّه ، أرأيتَ لو كانت لك إبلُ، فَهَبَطَتْ وَادِيا له عُدْوتَان : إحداهما خِصْبَةُ ، والأخرى جَدْبة، أليس إن رَعَيْتَ الخِصْبةَ رَعَيْتَها بقَدَرِ اللَّه، وإن رعيتَ الَجدْبة رعيتها بقدر اللَّه ؟ قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان مُتغيبا في بعض حاجاته- فقال : إن عندي من هذا عِلما، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا سمعتم به بأرض : فلا تَقْدمُوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها : فلا تخرجوا فِرارا ، قال : فَحَمِدَ اللَّه عمرُ بن الخطاب ، ثم انصرف " اهــ.
عباد الله .. 
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم .
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله في الدنيا والآخرة هو الرحمن الرحيم ، وأصلي على محمد وأسلم أطيب الصلاة وأزكى التسليم ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، الملك الفتاح السميع العليم ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد ، أيها المسلمون :
قد سمعتم ما نزل بإخوانكم يوم أمس من الحريق ، وقد أخرج مالك في الموطأ وهو عند أبي دامد والنسائي  عن جابر بن عتيك - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فوجده قد غُلِبَ عليه ، فصاح به ، فلم يُجِبْهُ ، فاستَرْجَعَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، وقال: غُلِبْنَا عليك يا أبا الربيع ، فصاح النساءُ وبَكَيْنَ ، فجعل جابر- وفي رواية : فجعل ابنُ عَتيك - يُسْكِتُهُنَّ ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «دَعْهُنَ ، فإذا وَجَبَ فلا تبكينَّ باكية ، قالوا : يا رسول الله ، وما وجب ؟ قال : إذا مات ، فقالت ابنتهُ : واللَّهِ إن كنتُ لأرجو أن تكون شهيدا ، فإنك كنتَ قد قَضَيْت جَهَازَكَ ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إنَّ الله قد أوقع أجره على قَدْر نِيته ، وما تعدّون الشهادة؟ قالوا : القتل في سبيل الله ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : الشهداء سبعة ، سِوَى القتلِ في سبيل الله: المطعونُ شهِيد ، والحَرِقُ شهِيد ، والغَرِقُ شهيد ، وصاحبُ ذاتِ الجَنبِ شهيد ، والمبطونُ شهيد ، والذي يموت تحت الهدْم شهيد ، والمرأة تموت بِجمُعَ شهيد» أخرجه الموطأ وأبو داود والنسائي.
عباد الله ..هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، فقد أمركم سبحانه بذلك أمراً بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال في سورة الأحزاب :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الخطائين المخطئين ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم  وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يا -رب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، وارعه برعايتك أولياءك المتقين ، واشمله بنصرك وتأييدك السابقين الأولين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين ، وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة ، التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة  ، التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ، برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع