يقول الله تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون }الذاريات(22)، هذا يقينُ المسلمين ولذلك كانوا يطلبون الرزق كما النصر من الله سبحانه وتعالى، ويتخذون لذلك أسبابه من التقوى والعمل الصالح في كل شأن من شئون حياتـهم ولكن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فقد صدق أو كاد يصدق علينا قول الشاعر :
يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسنِ
فهل وصلت بنا أيام محنتنا حتى أصبحنا نرى حسنًا ما ليس بالحسن ؟ !. . وهل وصلت بنا أيام محنتنا حتى أصبحنا نرى خيرًا ما ليس بالخير ؟ !. . وهل وصلت بنا أيام محنتنا حتى أصبحنا نرى نجاةً ما ليس كذلك ؟ !. . ننظر في أحوالنا فنرى أننا صرنا نلهث خلف السراب
. . نعم خلف السراب ظنًا منا أنه ماءٌ نـمير، عذبٌ زلال . . فقد أدرنا ظهورنا أو نكاد لديننا ونحسب أننا نحقق دنيانا ! !. . وأدرنا ظهورنا أو نكاد لأخلاقنا ونحسب أننا نكسب خلاقنا ! !. . وأدرنا ظهورنا أو نكاد لتاريخنا ونحسب أننا نسطر بأحرف من نور مجدًا تليدًا ! !
ومصداقما سبق جليٌ واضح في مناهج حياتنا وأنماط سلوكنا، سواءً في عباداتنا، أم في معاملاتنا، أم في إعلامنا أم في تعليمنا أم في اجتماعياتنا أم في أي شأن من شئوننا فقد أخبر بذلك رسول الله eحيث قال : {لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا
في جحر ضبٍ لاتبعتموهم، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ! }رواه مسلم.
فقد صرنا صدًى لصوت غيرنا، وخيالاً أو ظلاً لسوانا، نصمت بينما يتكلمون، ونسكن بينما يتحركون، ونتفرق بينما يتجمعون ونتردد بينما يعزمون، ونـُحجم بينما يُقدمون، ونتراجع بينما يهجمون، فيلقون حممهم ويقذفون قنابلهم وأطفالنا ونساءنا يَقْتُلون، ورؤوسنا -سلمهم الله- في غيهم يعمهون، ونحن في ذلك كله نحاول تقليدهم وهم منا يضحكون، ونظن أنهم يبتسمون لنا بينما هم يسخرون، فإن لله وإنا إليه راجعون .
فقد تشبهت رجالنا برجالهم، ونساؤنا بنسائهم، وأصبحت المحافظة على شخصيتنا فقط في ما يسمى بالفلكلور الشعبي والدبكات والرقصات والأثواب التقليدية التي تعرض في مناسبات معينة ولأجل أغراض معينة .
وصار التعبد والتدين إنما هو في الحفاظ على بعض الشعائر أو المشاعر في مناسبات دينية موسمية مبتدعة مخترعة فيما يسمى بالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج أو الاحتفال بالنصف من شعبان أو ما يسمى بالمولد النبوي .
وصارت البطولة إنما هي في التمثيليات والمسرحيات والأفلام التلفزيونية والسينمائية، أو في الألعاب الكروية والرياضية المختلفة، فالداعرون العابثون بالأعراض واللاعبون اللاهون هم الأبطال، والبطولة في أسمى معانيها قد ماتت وقتلت، وصدق من قال :
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت عَلاَمَ تَنْتَحِبُ الفتـاةُ
فقالت كيف لا أبكي وأهلـي جـميعًا دون النـاس ماتوا
نعم لابد من مخاطبة هؤلاء (غير المسلمين) بما يعلمون، وبما يفهمون، والحديث { من تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم } نخاطبهم بما يتكلمون ولكن بلغة عربية فصيحة، ونعاملهم بما يعلمون، ولكن بعقيدة ربانية، ومنهج إسلامي أصيل، ونأخذ منهم ما نريد لا ما يريدون، ونعطيهم ما نشتهي لا ما يشتهون، وكل ذلك على هدي لا يضل، وميزان لا يخيس، فلا ننخلع من دين، ولا ننسلخ من تاريخ، ولا ننفسخ من لغة، وإن لم نأخذ العِبْرَةَ فسوف تغلبنا العَبْرَةَ، وتاريخ ملوك بني الأحمر بالأندلس ليس ببعيد ! ! .
قال الله تعالى : { ليس بأمانيِّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يُجْزَ به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا }النساء(123)
قال الله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون }البقرة(120-121)
رئيس التحرير