الإثنين 08 جمادى الثانية 1446 الموافق 09 ديسمبر 2024
أخي القارئ العزيز: أمسكت بالقلم لأضع عنواناً لافتتاحية هذا العدد من الاستقامة، وتحيرت في اختيار العنوان في بداية الأمر، وذلك لأن مصابنا هو الأفدح، وعثرتنا هي الأعظم على مدار التاريخ كله وحتى هذه اللحظة، فأمتنا الإسلامية – إلا من رحم ربي – أفراداً وجماعات وأقواماً ومجتمعات تكاد أن تكون غائبة عن الوعي بل هي غائبة عن الوعي؛ فما يصدر من أقوال أو أعمال في غالب الأحوال لو عُرِض على من لم يتدنس بأوضار الناس، ولم يتغير بتقلبات الأغراض والشبهات والشهوات لما صدّق ولا قَبِل أن يكون ذلك من أهل الإسلام. ومع ذلك كله فالمسلمون في سبات عميق إلا من صرخة هنا وولولة هناك، وهل يجدي أن يكون الغزو نداء ؟! . . وهل ينفع أن يكون المسلمون هكذا بين ولولة وصراخ، وزعيق وهتاف ؟! . . بلا عمل صادقٍ ، ولا همةٍ فاعلة، ولا عزيمةٍ متوثبةٍ، سوى الطواف وحمل الرؤوس فوق الأكتاف في الشوارع والهتاف، [ بالروح بالدم . . ] [ يعيش يعيش . . ] وما سوى ذلك من الأقوال التي تخالفها الأفعال، فهل إننا معشر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها : - نسير أو يُسار بنا ولكن . . في غير طريق، فنذّبح ونقَّتل في كل مكان. - ونسعى أو يُسعى بنا ولكن . . إلى غير هدف، فنطرد من بلادنا ودورنا، ونقتلع من أرضنا وجذورنا. - ونعمل أو يُعمل بنا ولكن . . في غير مصلحة، فتستباح ثرواتنا وأموالنا، بل يستباح ديننا وإسلامنا، ويسلط علينا الزنادقة والمنافقون والممسوخون، فإذا تكلمنا فبغير لغتنا، وإذا فكرنا فبغير فكرنا وبغير عقولنا، وإذا نظرنا فبغير أعيننا، وإذا سمعنا فبغير آذاننا، وإذا أخذنا أو أعطينا كذلك بغير أيدينا، وإذا مشينا فبغير أرجلنا، وهذا ما نحصده مما يوهموننا بأنه [ عولمة ] و [ نظام عالمي جديد ] !! وكذلك صرنا نرى أو نُرى الحق باطلاُ، والباطل حقاً، والعدل ظلماً، والظلم عدلاً، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والخير شراً، والشر خيراً، وأكاد أقول والإيمان كفراً، والكفر إيماناً - والعياذ بالله تعالى- فبذلك تنكرنا لهدي ديننا، وتناسينا تاريخنا، وجحدنا لغتنا، فأصبحنا - والعياذ بالله - على غير هَدْيٍ، وأمسينا دون ماضٍ، وظللنا بغير لغة . إن الأمة التي تتخلى عن عقيدتها، وتنسلخ من تاريخها، وتتنكر للغتها هي أمة مندثرة أو على سبيل الاندثار، عاجلاُ أو آجلاً إن لم تراجع نفسها، ففي الحديث: { إذَا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ وَأخَذْتُمْ أذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلاّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُم } ( سنن أبي داود ) وهو صحيح . لذلك كله فهذا الذل الذي فيه الأمة لا يمكن أن ينـزع إلا بمراجعة الدين ومراجعة الدين تتضمن: 1- مراجعة المعتقدات والأفكار ، أو المواثيق التي راجت بين الناس على مستوى الدول أو الأحزاب أو الفرق أو الفئات على ميزان العقيدة الصحيحة في الكتاب والسنة، وما جاءنا عن السلف الصالح فنأخذ منها الحق، وندع الباطل، ونتحلى بالصواب، ونتخلى عن الخطأ. 2- مراجعة المنهاج المسلوك لتحقيق العقيدة في واقع الحياة فنترك كل المناهج الأرضية البشرية من وجودية، وقومية، ووطنية، واشتراكية، وديمقراطية، وغربية، وشرقية . .إلخ ونتمسك بمنهاج الله . 3- مراجعة العبادات: من صلاة، أو زكاة، أو صيام، أو حج أو غيره، فنتبع السنة ونتجنب البدعة. 4- مراجعة المعاملات: من نكاح أو طلاق أو بيع أو شراء أو سياسة، أو اقتصاد، أوحرب أو سلم، على موجب الأحكام الشرعية. 5- مراجعة الأخلاق: من بغض أو كره، أو حب أو غير ذلك بل مراجعة الشرائع والأحكام المعمول بها . ونحن في هذه المراجعة نقوم بأمرين هامين: الأول: معرفة وعلم الحق من الباطل، والصواب من الخطأ فيما نحن عليه. الثاني: العمل بمقتضى المعرفة والعلم، وذلك بالتمسك بالحق وطرح الباطل، والسير على الصواب، والرجوع عن الخطأ. وهذه المراجعة واجبة على الأمة كلها حاكمها ومحكومها، وأميرها ومأمورها، ورئيسها ومرؤوسها، لا يجوز التخلف عنها لأحد، وذلك لقول الله تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ( النور 31 )، ويجب التشاور فيها بين أهل الحل والعقد من المسلمين الذين هم أهل الحل والعقد شرعاً، لأنهم الذين يملكون أن يحلوا كل ما خالف الإسلام من العقود فيفسخوها، وأن يعقدوا الأمر لأهله الذين هم أهله في شريعة الله تعالى، لقوله تعالى : { وأمرهم شورى بينهم } ( الشورى 38). والله الهادي إلى سواء السبيل
أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....